ولا تزر وازرة وزر أخرى : ولا تحمل نفس مذنبة ذنب نفس أخرى .
4- { إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور } .
إن تكفروا بالله فإن الله غني عنكم وعن عبادتكم ، ولا تضرّه معصيتكم ، ولا تنفعه طاعتكم ، ومع هذا فهو حريص على مصلحة عباده ، ولا يرضى لعباده الكفر ، رحمة بهم حتى لا يتعرضوا لغضبه وعذابه ، وإن تشركوا يرضه لكم ، وإذا آمنتم رضي عنكم .
وفي الحديث القدسي الذي رواه الإمام مسلم ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " يقول الله عز وجل : يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، ولو ان أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا . . . " {[585]} .
وفي القرآن الكريم : { يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد } . ( فاطر 15 ) .
{ ولا تزر وازرة وزر أخرى . . . . } .
ولا تحمل نفس ذنب نفس أخرى ، وقد كان رؤساء الكفر يقولون لأتباعهم : { اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم . . . } ( العنكبوت : 12 ) .
وقد بين القرآن أن الإنسان مسئول عن عمله ومحاسب عليه ، قال تعالى : { كل امرئ بما كسب رهين } . ( الطور : 21 ) .
وقال تعالى : { يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه * لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه } . ( عبس : 34-37 ) .
فالإنسان المذنب يتحمل ذنوبه وحده ، ولا يتحمل ذنب آخر ، إلا إذا كان مسئولا عنه ، فإنه يتحمل شيئا من المسؤولية ، كالأب المنحرف الذي يغري أولاده بالانحراف ، فيتحمل الأب ذنبه ، وذنب إرشاد أولاده إلى السوء ، أو وقوعهم في الرذيلة .
قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا . . } . ( التحريم : 6 ) .
وفي النهاية سيعود الخلائق إلى ربهم فيحاسبهم ، ويخبرهم بأعمالهم ويجازيهم عليها ، فهو سبحانه مطلع على السرائر ، خبير بالسر والعلن .
{ ثم إلى ربكم مرجعكم . . . } .
أي : الموت والبعث والحشر والحساب والجزاء .
{ فينبئكم بما كنتم تعملون . . . } .
فيخبركم بأعمالكم تمهيدا للحساب والجزاء عليها .
إنه مطلع على ما تكنّه السرائر وما تخفيه الضمائر ، وفيه تهديد للعاصي وبشارة للطائع .
{ ولا تزر وازرة وزر أُخرى } : أي لا تحمل نفس ذات وزر وزر نفس أخرى .
{ إنه عليم بذات الصدور } : أي ما يخفيه المرء في صدره وما يسره في ضميره .
قوله في الآية ( 7 ) { إن تكفروا فإِن الله غنيٌّ عنكم } أي بعد أن بيّن بالأدلة القاطعة وجوب الإِيمان به ووجوب عبادته ، وأنه الرب الحق وإِله الحق أعلم عباده أن كفرهم به لا يضره أبدا لأنه غنيٌ عنهم وعن سائر خلقه إلا أنه لرحمته بعباده لا يرضى لهم الكفر لما يسببه لهم من شقاء وخسران ، كما أنهم إن آمنوا وشكروا يرضه لهم فيثبتهم أحسن ثواب ويجزيهم أحسن جزاء . وقلوه { ولا تزر وازرة وزر أخرى } هذا مظهر من مظاهر عدله بين عباده وهو أن نفسا ذات وزر أي ذنب لا تحمل وزر أي ذنب نفس أخرى بل كل نفس تحمل وزرها وتتحمل تبعته ونتائجه وحدها . وقوله تعالى { ثم إلى ربكم مرجعكم } أي بعد الموت { فينبئكم بما كنتم تعملون } أي فيخبركم بأعمالكم خفيها وجليها صغيرها وكبيرها { إنه عليم بذات الصدور } فضلا عما كان عملا ظاهراً غير باطن ويجزيكم بذلك الخير بمثله والشر بمثله . فهذا ربكم الحق وإلهكم الصدق فآمنوا به ووحدوه ولا تشركوا به وأطيعوه ولا تعصوه تنجوا وتسعدوا في الدنيا والآخرة . ولا يهلك على الله إلا هالك .
- بيان غنى الله تعالى عن خلقه وافتقار الخلق إليه .
- بيان عدالة الله تعالى يوم القيامة وتقريرها .
- بيان إحاطة علم الله بالخلق وعلمه بأفعالهم وأحوالهم ظاهراً وباطناً
ولما ظهرت الأدلة وبهرت الحجج ، بين ما على من غطاها بالإصرار ، وما لمن تاب ورجع التذكار ، فقال مستأنفاً لما هو نتيجة ما مضى ، معرفاً لهم نعمته عليهم بأنه ما تعبد لشيء يخصه من نفع أو ضر ، وإنما هو لمصالحهم خاصة بادئاً بما هو من درء المفاسد : { إن تكفروا } أي تستروا الأدلة فتصروا على الانصراف عنه بالإشراك { فإن الله } لأنه جامع لصفات الكمال { غني عنكم } أي فلا يضره كفركم ولا تنفعه طاعتكم ، وأما أنتم فلا غنى لكم عنه بوجه ، ولا بد أن يحكم بينكم فلم تضروا إلا أنفسكم { ولا يرضى } لكم - هكذا كان الأصل بدليل ما سبقه ولحقه ، وإنما أظهر ليعم وليذكرهم بما يجدونه في أنفسهم من أن أحداً منهم لا يرضى لعبده أن يؤدي خرجه إلى غيره بغير إذنه فقال : { لعباده } أي الذين تفرد بإيجادهم وتربيتهم { الكفر } بالإقبال على سواه وأنتم لا ترضون ذلك لعبيدكم مع أن ملككم لهم في غاية الضعف ، ومعنى عدم الرضى أنه لا يفعل فعل الراضي بأن يأذن فيه ويقر عليه أو يثيب فاعله ويمدحه ، بل يفعل فعل الساخط بأن ينهى عنه ويذم عليه ويعاقب مرتكبه { وإن تشكروا } أي بالعبادة والإخلاص فيها { يرضه } أي الشكر الدال عليه فعله { لكم } أي الرضى اللائق بجنابه سبحانه بأن يقركم عليه أو يأمركم به ويثيبكم على فعله ، والقسمان بإرادته ، واختلاف القراء في هائه دال على مراتب الشكر - والله أعلم ، فالوصل للواصلين إلى النهاية على اختلاف مراتبهم في الوصول والاختلاس للمتوسطين والإسكان لمن في الدرجة الأولى منه .
ولما كان في سياق الحكم والقهر ، وكانت عادة القهارين أن يكلفوا بعض الناس ببعض ويأخذوهم بجرائرهم لينتظم لهم العلو على الكل لعدم إحاطة علمهم بكل مخالف لأمرهم ، بين أنه سبحانه على غير ذلك فقال : { ولا تزر وازرة } أي وازرة كانت { وزر أخرى } بل وزر كل نفس عليها لا يتعداها يحفظ عليها مدة كونها في دار العمل ، والإثم الذي يكتب على الإنسان بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس وزر غيره ، وإنما هو وزر نفسه ، فوزر الفاعل على الفعل ، ووزر الساكت على الترك لما لزمه من الأمر والنهي { ثم إلى ربكم } أي وحده لا إلى أحد ممن أشركتموه به { مرجعكم } أي بالبعث بعد الموت إلى دار الجزاء . ولما كان الجزاء تابعاً للعلم ، قال معبراً عنه به : { فينبئكم } أي فيتسبب عن البعث أنه يخبركم إخباراً عظيماً { بما كنتم تعملون } أي بما كان في طبعكم العمل به سواء عملتموه بالفعل أم لا ثم يجازيكم عليه إن شاء .
ولما كان المراد - كما أشار إليه بكان - الإخبار بجميع الأعمال الكائنة بالفعل أو القوة ، حسن التعليل بقوله : { إنه عليم } أي بالغ العلم { بذات الصدور * } أي بصاحبتها من الخواطر والعزوم ، وذلك بما دلت عليه الصحبة - كل ما لم يبرز إلى الخارج ، فهو بما برز أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.