تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَمَا تَفَرَّقُوٓاْ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى لَّقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۚ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَفِي شَكّٖ مِّنۡهُ مُرِيبٖ} (14)

المفردات :

بغيا : ظلما وحقدا وعداوة .

لقضى بينهم : باستئصال المبطلين حين تفرقوا .

مريب : مقلق ، موغل في الشك .

التفسير :

14- { وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب } .

لم يتفرق المتفرقون في الدين ولم يختلفوا فيه ، إلا من بعد ما جاءهم العلم من أنبيائهم ومن كتبهم ، بالدعوة إلى الوحدة والجماعة ، والتحذير من الفرقة والاختلاف ، ولكن الأتباع خالفوا هذه التوصيات رغبة في المال والرئاسة ومتع الحياة الدنيا ، فآثروا البغي والحسد والتشرذم والاختلاف والتفرق ، وقد وعد الله سبحانه بإمهال الناس فترة لعلهم أن يتوبوا ويراجعوا أنفسهم ، ولولا رحمته وإمهاله لعاقبهم في الدنيا بما يستحقون .

قال تعالى : { ولو يؤاخذ الله الناس بما كسوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا } . ( فاطر : 45 ) .

وقد امتد الخلاف من السابقين إلى اللاحقين .

{ وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب } .

الذين ورثوا التوراة والإنجيل في عهد محمد صلى الله عليه وسلم في شك شديد من كتبهم ؛ لأن فيها تغييرا وتبديلا ، أو هم في شك وريب شديد من القرآن الكريم ، فعواطفهم مع هذا القرآن ، وعقولهم وحرصهم على المراكز ومنازل الدنيا تدعوهم إلى بقائهم في مراكزهم .

وقريب من ذلك قوله تعالى : { فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون } . ( الأنعام : 33 ) .

وقوله سبحانه : { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا . . . } ( النمل : 14 ) .

يقول الكاتب الأوروبي " ج . ه . دنيسون " في كتابه ( العواطف كأساس للحضارة ) :

" ففي القرنين الخامس والسادس كان العالم المتمدين على شفى جرف هارٍ من الفوضى ، لأن العقائد التي كانت تعين على إقامة الحضارة كانت قد انهارت ، ولم يك ثم ما يعتد به مما يقوم مقامها ، وكان يبدو إذ ذاك أن المدنية الكبرى – التي تكلف بناؤها جهود أربعة آلاف سنة – مشرفة على التفكك والانحلال ، وأن البشرية توشك أن ترجع ثانية إلى ما كانت عليه من الهمجية ، إذ القبائل تتحارب ولا تتناحر ، لا قانون ولا نظام ، أما النظم التي خلفتها المسيحية فكانت تعمل على الفرقة والانهيار ، بدلا من الاتحاد والنظام ، وكانت المدنية كشجرة ضخمة متفرعة امتد ظلها إلى العالم كله ، واقفة تترنح وقد تسرب إليها العطب حتى اللباب . . وبين مظاهر هذا الفساد الشامل ولد الرجل الذي وحد العالم جميعه " 6 . يعني محمدا صلى الله عليه وسلم .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{وَمَا تَفَرَّقُوٓاْ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى لَّقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۚ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَفِي شَكّٖ مِّنۡهُ مُرِيبٖ} (14)

شرح الكلمات :

{ بغيا بينهم } : أي حملهم البغي على التفرق في دين الله .

{ ولولا لكمة سبقت من ربك } : أي ولولا ما قضى الله به من تأخير العذاب على هذه الأمة إلى يوم القيامة .

{ لقضى بينهم } : أي لحكم الله بينهم فأهلك الكافرين وأنجى المؤمنين .

{ وإن الذين أورثوا الكتاب من } : أي وان الذين أورثوا الكتاب من بعد الأولين وهم اليهود بعدهم والنصارى ومشركو العرب .

{ لفي شك منه مريب } : أي لفي شك مما جئتهم به من الدين الحق وهو الإِسلام .

المعنى :

وقوله تعالى : { وما تفرقوا } أي وما تفرق العرب واليهود والنصارى في دين الله فآمن بعض وكفر بعض إلا من بعد ما جاءهم العلم الصحيح يحمله القرآن الكريم ونبيّه محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم . والحامل لهم على ذلك هو البغي والحسد . وقوله ولولا كلمة سبقت من ربك وهو عدم معالجة هذه الأمة المحمدية بعذاب الإِبادة والاستئصال ، وترك عذابهم إلى يوم القيامة لولا هذا لعجل لهم العذاب من أجل اختلافهم فأهلك الكافرين وأنجى المؤمنين .

وهو معنى قوله تعالى { ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمي لقضي بينهم } أي فرغ منهم بالفصل بينهم بإهلاك الكافرين وانجلاء المؤمنين .

وقوله تعالى : { وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم } أي من بعد اليهود والنصارى وهم العرب إذْ أنزل الله فيهم كتابه القرآن الكريم لفي شك منه أي من القرآن والنبي والدين الإِسلامي مريب أي بالغ الغاية في الريبة والاضطراب النفسي ، كما أن اللفظ يشمل اليهود والنصارى إذ هم أيضا ورثوا الكتابين عمن سبقهم وأنهم فعلا في شك من القرآن ونبيّه والإِسلام وشرائعه .

الهداية :

من الهداية :

- مرد التفرق في الدين إلى الحسد والبغي بين الناس ، فلو لم يحسد بعضهم بعضا ولم يبغ بعضهم على بعض لما تفرقوا في دين الله ولأقاموه مجتمعين فيه .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَمَا تَفَرَّقُوٓاْ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى لَّقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۚ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَفِي شَكّٖ مِّنۡهُ مُرِيبٖ} (14)

" وما تفرقوا " قال ابن عباس : يعني قريشا . " إلا من بعد ما جاءهم العلم " محمد صلى الله عليه وسلم ، وكانوا يتمنون أن يبعث إليهم نبي ، دليله قوله تعالى في سورة فاطر : " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير " {[13476]} [ فاطر : 42 ] يريد نبيا . وقال في سورة البقرة : " فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به " [ البقرة : 89 ] على ما تقدم بيانه هناك{[13477]} . وقيل : أمم الأنبياء المتقدمين ، فإنهم فيما بينهم اختلفوا لما طال بهم المدى ، فآمن قوم وكفر قوم . وقال ابن عباس أيضا : يعني أهل الكتاب ، دليله في سورة المنفكين : " وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة " [ البينة : 4 ] . فالمشركون قالوا : لم خُص بالنبوة ! واليهود حسدوه لما بعث ، وكذا النصارى . " بغيا بينهم " أي بغيا من بعضهم على بعض طلبا للرياسة ، فليس تفرقهم لقصوره في البيان والحجج ، ولكن للبغي والظلم والاشتغال بالدنيا . " ولولا كلمة سبقت من ربك " في تأخير العقاب عن هؤلاء . " إلى أجل مسمى " قيل : القيامة ؛ لقوله تعالى : " بل الساعة موعدهم " {[13478]} [ القمر : 46 ] . وقيل : إلى الأجل الذي قضي فيه بعذابهم . " لقضي بينهم " أي بين من آمن وبين من كفر بنزول العذاب . " وإن الذين أورثوا الكتاب " يريد اليهود والنصارى . " من بعدهم " أي من بعد المختلفين في الحق . " لقي شك منه مريب " من الذي أوصى به الأنبياء . والكتاب هنا التوراة والإنجيل . وقيل : " إن الذين أورثوا الكتاب " قريش . " من بعدهم " من بعد اليهود النصارى . " لفي شك " من القرآن أو من محمد . وقال مجاهد : معنى " من بعدهم " من قبلهم ، يعني من قبل مشركي مكة ، وهم اليهود والنصارى .


[13476]:آية 42 راجع ج 14 ص 357.
[13477]:آية 89 راجع ج 2 ص 27 طبعة ثانية.
[13478]:آية 46 سورة القمر.