السماء الدنيا : السماء القربى منكم ، وهي الأولى .
بمصابيح : بكواكب عظيمة مضيئة .
رجوما للشياطين : بانقضاض الشهب منها عليهم .
وأعتدنا لهم عذاب السعير : وأعددنا للشياطين أشدّ الحريق ، يقال : سعرت النار فهي مسعورة وسعيرة ، أي : أوقدتها فهي موقدة .
5- ولقد زيّنّا السماء بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير .
زين الله السماء الدنيا وهي القريبة منّا ، أي السماء الأولى ، وفي صحيح البخاري أن السماوات سبع ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم صعد إلى السماء ليلة الإسراء والمعرج ، ورأى في السماء الأولى آدم ، وفي الثانية يحيى وعيسى وهما ابنا الخالة ، وفي الثالثة يوسف وقد أعطى شطر الحسن ، وفي الرابعة إدريس ، وفي الخامسة هارون ، وفي السادسة موسى ، وفي السابعة إبراهيم عليه السلام .
وقد خلق الله النجوم في السماء لفوائد ثلاث :
الأولى : أن النجوم تزيّن السماء ، كما نزيّن بيوتنا بالكهرباء .
الثانية : أنّها رجوم للشياطين الذين يحاولون استراق السمع ، فيصيبهم الله بالشهب التي تحرقهم أو تخبلهم .
الثالثة : أن النجوم هداية للسائرين في الصحراء ، وللسائرين في البحار ، ولراغبي معرفة القبلة أو الجهات الأربع الأصلية .
والقرآن الكريم يلفت أنظارنا إلى السماء ونجومها المتلألئة ، حيث نجد نجوما لامعة ، وأخرى خافتة وقمرا منيرا ، وللسماء مناظر وجمال له مذاق خاص ، في أوّل الليل ووسطه وآخره ، والإنسان الذي يريد أن يخلو بنفسه للتأمل في ملكوت السماوات والأرض ، سيجد مجالا للتدبر ، والانتقال من الصنعة البديعة إلى الصانع المبدع .
قال تعالى : إنّ في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب* الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار . ( آل عمران : 190 ، 191 ) .
ومع كون النجوم زينة للسماء ، فإنه ينفصل منها بعض الشهب لتصيب الجنّي الذي يحاول استراق السمع ، واختطاف أخبار السماء ، ونقلها إلى الكهان في الأرض .
قال تعالى : وجعلناها رجوما للشياطين . . .
وسيأتي إن شاء الله تعالى في سورة الجنّ ، ما يفيد أن الجن كانت ترصّ بعضها ، ويصعد الجنيّ فوق كتف أخيه ، حتى يكون الأخير في السماء متمكنا من استراق السمع ، فسلّط الله عليهم الشهب ، فلم يقدروا على استراق السمع .
قال تعالى : وأنّا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا* وأنّا كنا نقعد مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له ، شهابا رصدا . ( الجن : 8 ، 9 ) .
أعددنا وهيأنا للشياطين في الآخرة عذاب النار المستعرة التي تحرقهم وتهلكهم بعد إحراقهم بالشهب في الدنيا .
إن قيل : إن الشياطين خلقوا من النار فكيف يعذّبون بها ؟ قلنا : إن النار هي مادة خلقهم ، ولكنهم تحوّلوا إلى أجسام أخرى قابلة للاحتراق بها ، كما تحوّل آدم من الطين إلى أجسام خالية من الطين .
{ زينا السماء الدنيا بمصابيح } بكواكب مضيئة كإضاءة الصبح ، ليست كمصابيحكم التي تعرفونها . { وجعلناها رجوما للشياطين } أي جعلنا منها مراجم للشياطين بانقضاض الشهب المنبعثة عنها على مسترق السمع منهم ، جمع رجم ، وهو في الأصل مصدر رجمه رجما – من باب نصر - : إذا رماه بالرجام أي الحجارة ؛ سمي به ما يرجم به . { وأعتدنا لهم عذاب السعير } عذاب النار المشتعلة في الآخرة ، بعد الرجم في الدنيا بالشهب . يقال : سعر النار – كمنع – ألهبها ؛ كسعرها وأسعرها ، فهي مسعورة وسعير .
بمصابيح : بنجوم كأنها مصابيح تضيء .
رجوما : مفردها رَجْم وهو كل ما يرمى به .
ثم بعدَ أن بيّن أن هذه السمواتِ وهذا الكونَ كلّه وُجد على نظامٍ دقيق متقَن ، وهو مع ذلك الغايةُ في الحسن والجمال والبهاء قال :
{ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السمآء الدنيا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السعير } .
إن هذه السماء القريبة منّا والتي نراها ، مزينةٌ بهذه النجوم المضيئة والكواكب بهجةً للناظرين ، وهدىً للسارِين والمسافرين في البر والبحر ، والشهُبُ التي نراها متناثرةً في الليل رُجومٌ للشياطين ، وقد أعدَدْنا لهم في الآخرةِ عذابَ النار .
ثم صرح بذكر حسنها فقال : { 5 - 10 } { وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ * وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ }
أي : ولقد جملنا { السَّمَاءَ الدُّنْيَا } التي ترونها وتليكم ، { بِمَصَابِيحَ } وهي : النجوم ، على اختلافها في النور والضياء ، فإنه لولا ما فيها من النجوم ، لكانت سقفًا مظلمًا ، لا حسن فيه ولا جمال .
ولكن جعل الله هذه النجوم زينة للسماء ، [ وجمالا ] ، ونورًا وهداية يهتدى بها في ظلمات البر والبحر ، ولا ينافي إخباره أنه زين السماء الدنيا بمصابيح ، أن يكون كثير من النجوم فوق السماوات السبع ، فإن السماوات شفافة ، وبذلك تحصل الزينة للسماء الدنيا ، وإن لم تكن الكواكب فيها ، { وَجَعَلْنَاهَا } أي : المصابيح { رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ } الذين يريدون استراق خبر السماء ، فجعل الله هذه النجوم ، حراسة للسماء عن تلقف الشياطين أخبار الأرض ، فهذه الشهب التي ترمى من النجوم ، أعدها الله في الدنيا للشياطين ، { وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ } في الآخرة { عَذَابِ السَّعِيرِ } لأنهم تمردوا على الله ، وأضلوا عباده ، ولهذا كان أتباعهم من الكفار مثلهم ، قد أعد الله لهم عذاب السعير ، فلهذا قال :
قوله تعالى : " ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح " جمع مصباح وهو السراج . وتسمى الكواكب مصابيح لإضاءتها . " وجعلناها رجوما للشياطين " أي جعلنا شهبها ، فحذف المضاف . دليله " إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب{[15188]} " [ الصافات : 10 ] . وعلى هذا فالمصابيح لا تزول ولا يرجم بها . وقيل : إن الضمير راجع إلى المصابيح على أن الرجم من أنفس الكواكب ، ولا يسقط الكوكب نفسه إنما ينفصل منه شيء يرجم به من غير أن ينقص ضوءه ولا صورته . قال أبو علي جوابا لمن قال : كيف تكون زينة وهي رجوم لا تبقى . قال المهدوي : وهذا على أن يكون الاستراق من موضع الكواكب . والتقدير الأول على أن يكون الاستراق من الهوى الذي هو دون موضع الكواكب . القشيري : وأمثل من قول أبي علي أن نقول : هي زينة قبل أن يرجم بها الشياطين . والرجوم جمع رجم ، وهو مصدر سمي به ما يرجم به . قال قتادة : خلق الله تعالى النجوم لثلاث : زينة للسماء ، ورجوما للشياطين ، وعلامات يهتدى بها في البر والبحر والأوقات . فمن تأول فيها غير ذلك فقد تكلف ما لا علم له به ، وتعدى وظلم . وقال محمد بن كعب : والله ما لأحد من أهل الأرض في السماء نجم ، ولكنهم يتخذون الكهانة سبيلا{[15189]} ويتخذون النجوم علة . " وأعتدنا لهم عذاب السعير " أي أعتدنا للشياطين أشد الحريق ، يقال : سعرت النار فهي مسعورة وسعير ، مثل مقتولة وقتيل .