تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلۡأَبۡتَرُ} (3)

المفردات :

شانئك : مبغضك .

الأبتر : المنقطع من كل خير .

التفسير :

3- إن شانئك هو الأبتر .

مبغضك هو المقطوع الأثر ، وقد روي أنه لما مات القاسم شمت كفار مكة ، وقال العاص بن وائل : دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له ، ولا نسل له من الذكور ، فإذا مات انقطع ذكره ، فأنزل الله تعالى هذه السورة توضّح أن محمدا صلى الله عليه وسلم في عز من الرحمان ، ومنعة من المسلمين ، ودينه في انتصار ، وأن المسلمين جميعا من زمانه إلى يوم القيامة في منزلة أبنائه وأحفاده ، فهو كالوالد لهم ، أما أعداؤه فهم مبتورون من رحمة الله .

أما محمد صلى الله عليه وسلم فقد أبقى الله ذكره على رؤوس الأشهاد ، وأوجب شرعه على رقاب العباد ، مستمرا على دوام الآباد ، إلى يوم الحشر والمعاد ، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم التنادvii

***

تم بحمد الله وفضله وتوفيقه تفسير سورة ( الكوثر ) مساء الثلاثاء 20 من ربيع الأول 1422 ه ، الموافق 12/6/2001 ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

i تفسير جزء عم ، للإمام محمد عبده ، ص 126 ، وقارن بتفسير النيسابوري 30/175 .

ii تفسير النيسابوري 30/176 ، وقد أورد صفحات عدة في فضائله صلى الله عليه وسلم ، وقد جمع الله له جميع خصائص الرسل أجمعين ، فقد أعطاه الله كتابا خالدا ، وكتاب آدم كان كلمات ، وأعطى إبراهيم وموسى صحفا محدودة ، وكتاب محمد صلى الله عليه وسلم مهيمن على الجميع .

iii المرجع السابق .

iv تفسير النيسابوري بهامش الطبري 30/179 .

v تفسير جزء عم للإمام محمد عبده ص 128 ، مطبعة الشعب ، الطبعة السادسة .

vi نهر وعدنيه ربي عز وجل :

رواه مسلم في الصلاة ( 400 ) وأبو داود في الصلاة ( 784 ) وفي السنة ( 4747 ) والنسائي في الافتتاح ( 904 ) من حديث أني قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : ( أنزلت علي آنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمان الرحيم { إنا أعطيناك الكوثر . فصل لربك وانحر . إن شانئك هو الأبتر } . ثم قال : ( أتدرون ما الكوثر ) ؟ فقلنا : الله ورسوله أعلم : قال : ( فإنه نهر وعدنيه ربي عز وحل خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم فيختلج العبد منهم فأقول : رب إنه من أمتي فيقول : ما تدري ما أحدثت بعدك ) . زاد ابن الحجر في حديثه : بين أظهرنا في المسجد ، وقال : ما أحدث بعدك .

vii مختصر تفسير ابن كثير المجلد 3 ص 684 . تحقيق محمد علي الصابوني .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلۡأَبۡتَرُ} (3)

شانئك : مُبغِضَك . يقال : شَنَأ يَشْنأ . شَنْئاً ، وشَنَآنا : أبغَضَ . واسمُ الفاعل شانئ . والمؤنث شانئة .

الأبتر : المنقطع عن كل خير .

ثم بعد أن بشّره بهذا الخير الكثير ، وطالَبَه بالشّكر عليه ، زاد في البُشْرى بأنّ كلّ من يُبغِضُه ويَكيدُ له مُنْقَطِعون مَبْتُورون . وقد كانَ ذلك .

إن مُبْغِضَك يا محمد ، هو المنقطعُ عن كل خير . وقد حقق اللهُ له ذلكَ فانقطعَ ذِكر كلّ المشرِكين من العَرب وغيرِهم ، فيما بقيَ ذِكره خالداً في العالمين .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلۡأَبۡتَرُ} (3)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

"إن شانئك هو الأبتر" ... يعني إن مبغضك هو الأبتر ...الذي أبتر من الخير ، وأنت يا محمد ستذكر معي إذا ذكرت ، فرفع الله عز وجل له ذكره في الناس عامة ، فيذكر النبي صلى الله عليه وسلم في كل عيد للمسلمين في صلواتهم ، وفي الآذان ، والإقامة ، وفي كل موطن حتى خطبة النساء ، وخطبة الكلام ، وفي الحاجات . ...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله : { إنّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ } يعني بقوله جلّ ثناؤه : { إنّ شانِئَكَ } إن مُبغضَك يا محمد وعدوّك { هُوَ الأبْتَرُ } يعني بالأبتر : الأقلّ والأذلّ المنقطع دابره ، الذي لا عَقِبَ له .

واختلف أهل التأويل في المعنيّ بذلك ؛

فقال بعضهم : عُنِي به العاص بن وائل السهميّ ...

وقال آخرون : بل عُنِي بذلك : عُقْبة بن أبي مُعَيط ...

وقال آخرون : بل عُنِي بذلك جماعة من قريش ...

وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر أن مُبغض رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأقلّ الأذلّ ، المنقطع عقبه ، فذلك صفة كلّ من أبغضه من الناس ، وإن كانت الآية نزلت في شخص بعينه.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

( إن ) من أبغضك من قومك لمخالفتك لهم { هُوَ الأبتر } لا أنت ؛ لأنّ كل من يولد إلى يوم القيامة من المؤمنين فهم أولادك وأعقابك ، وذكرك مرفوع على المنابر والمنار ، وعلى لسان كل عالم وذاكر إلى آخر الدهر ، يبدأ بذكر الله ، ويثني بذكرك ، ولك في الآخرة ما لا يدخل تحت الوصف ، فمثلك لا يقال له : أبتر ، وإنما الأبتر هو شانئك المنسي في الدنيا والآخرة ، وإن ذكر ذكر باللعن .

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ إن شانئك } أي مبغضك والمتبرئ منك والمستهين بك مع ما أوتيت من الجمال ، والخصال الفاضلة والكمال { هو } أي خاصة { الأبتر } أي المقطوع من أصله ، والمقطوع النسل ، والمعدم والمنقطع الخير والبركة والذكر ، لا يعقبه من يقوم بأمره ويذكر به وإن جمع المال ، وفرغ بدنه لكل جمال ، وأنت الموصول الأمر ، النابه الذكر ، المرفوع القدر ، فلا تلتفت إليهم بوجه من الوجوه ، فإنهم أقل من أن يبالي بهم من يفرغ نفسه للفوز بالمثول في حضراتنا الشريفة ، والافتخار بالعكوف في أبوابنا العالية المنيفة ، لك ما أنت عليه ، ولهم ما هم فيه ، فالآية الأخيرة النتيجة ؛ لأن من الكوثر علو أمره وأمر محبيه وأتباعه في ملكوت السماء والأرض ونهر الجنة ، وسفول شأن عدوه فيهما .

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

إن مقاييس الله غير مقاييس البشر . ولكن البشر ينخدعون ويغترون فيحسبون مقاييسهم هي التي تقرر حقائق الأمور ! وأمامنا هذا المثل الناطق الخالد . . فأين الذين كانوا يقولون عن محمد [ صلى الله عليه وسلم ] قولتهم اللئيمة ، وينالون بها من قلوب الجماهير ، ويحسبون حينئذ أنهم قد قضوا على محمد وقطعوا عليه الطريق ? أين هم ? وأين ذكراهم ، وأين آثارهم ? إلى جوار الكوثر من كل شيء ، ذلك الذي أوتيه من كانوا يقولون عنه : الأبتر ? ! ....

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{ الأبتر } : حقيقته المقطوع بعضه، وغلب على المقطوع ذَنبه من الدواب، ويستعار لمن نقص منه ما هو من الخير في نظر الناس تشبيهاً بالدَّابة المقطوع ذَنَبها تشبيه معقول بمحسوس كما في الحديث : " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر " يقال : بَتر شيئاً إذا قطع بعضَه وبَتر بالكسر كفرِح فهو أبتر ، ويقال للذي لا عقب له ذكوراً ، هو أبتر على الاستعارة تشبيه متخيل بمحسوس شبهوه بالدابة المقطوع ذنبها لأنه قُطع أثره في تخيُّل أهلِ العرف .

ومعنى الأبتر في الآية الذي لا خير فيه، وهو رد لقول العاصي بن وائل أو غيره في حق النبي صلى الله عليه وسلم فبهذا المعنى استقام وصف العاصي أو غيره بالأبتر دون المعنى الذي عناه هو حيث لمز النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أبتر ، أي لا عقب له لأن العاصي بن وائل له عقب ، فابنه عمرو الصحابي الجليل ، وابن ابنه عبد الله بن عمرو بن العاص الصحابي الجليل ولعبد الله عقب كثير . قال ابن حزم في « الجمهرة » عقبه بمكة وبالرهط .

فقوله تعالى : { هو الأبتر } اقتضت صيغة القصر إثبات صفة الأبتر لشانئ النبي صلى الله عليه وسلم ونفيها عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأبتر بمعنى الذي لا خير فيه .

ولكن لما كان وصف الأبتر في الآية جيء به لمحاكاة قول القائل : « محمد أبتر » إبطالاً لقوله ذلك ، وكانَ عرفهم في وصف الأبتر أنه الذي لا عقب له تعيّن أن يكون هذا الإِبطال ضرباً من الأسلوب الحكيم وهو تلقي السامع بغير ما يترقب بحمل كلامه على خلاف مراده تنبيهاً على أن الأحقَّ غيرُ ما عناه من كلامه كقوله تعالى : { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } [ البقرة : 189 ] . وذلك بصرف مراد القائل عن الأبتر الذي هو عديم الابن الذكر إلى ما هو أجدر بالاعتبار وهو الناقص حظّ الخير ، أي ليس ينقص للمرء أنه لا ولد له، لأن ذلك لا يعود على المرء بنقص في صفاته وخلائقه وعقله . وهب أنه لم يولد له البتة ، وإنما اصطلح الناس على اعتباره نقصاً لرغبتهم في الولد بناء على ما كانت عليه أحوالهم الاجتماعية من الاعتماد على الجهود البدنية فهم يبتغون الولد الذكور رجاء الاستعانة بهم عند الكبر وذلك أمر قد يعرض ، وقد لا يعرض أو لمحبة ذِكر المرء بعد موته وذلك أمر وهمي ، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أغناه الله بالقناعة ، وأعزّه بالتأييد ، وقد جعل الله له لسان صدق لم يجعل مثله لأحد من خلقه ، فتمحض أن كماله الذاتي بما عَلِمه الله فيه إذ جعل فيه رسالته ، وأن كماله العرضي بأصحابه وأمته إذ جعله الله أولى بالمؤمنين من أنفسهم ...

والشانىء : المبغض وهو فاعل من الشناءة وهي البغض ويقال فيه : الشنآن ، وهو يشمل كل مبغض له من أهل الكفر فكلهم بتر من الخير ما دام فيه شنآن للنبيء صلى الله عليه وسلم، فأما من أسلموا منهم فقد انقلب بعضهم محبة له واعتزازاً به .

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ } فهذا الذي يبغضك ويعلن العداء لك ولرسالتك انطلاقاً من الحدود المغلقة في شخصيته المحدودة ، هو الأبتر ؛ لأنه لا يملك أيّ امتدادٍ في قضايا الحياة ، بعد أن كان امتداده محصوراً في قضايا الذات ، مهما خيّل إليه أنه يتحرك في خط الخلود ؛ لأن الخالدين هم المنطلقون مع الله في رسالته ، فهو الذي يمنح الخلود للدور وللحركة وللذات في امتداد رسالتها في الحياة ....

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلۡأَبۡتَرُ} (3)

{ إن شانئك } مبغضك { هو الأبتر } المنقطع العقب ، وقيل : المنقطع عن كل خير . نزلت في العاص بن وائل ، سمي النبي صلى الله عليه وسلم أبتر عند موت ابنه القاسم .