بينة : حجة وبرهان ، وتشمل القرآن والحجج العقلية .
واتبعوا أهواءهم : في عبادة الأوثان ، فلا شبهة دليل لهم في ذلك ، والجواب عن قوله : { أفمن كان } . و{ كمن زين } . هو : لا مماثلة بين المؤمنين وكفار مكة .
14- { أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم } .
هذه آية تقارن بين الحق الثابت الأبلج ، والباطل وهو لجلج ، بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والوحي ينزل عليه ، واليقين مستقر في قلبه ، وأبي جهل وأمثاله ممن أغواهم الشيطان ، وزين لهم الكبر والظلم والعدوان ، والكفر والبطر وإتباع الهوى .
يريد بمن : { كان على بينة من ربه } . رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبمن : { زين له سوء عمله } . أبا جهل وكفار قريش ، لكن الآية عامة ، والعبرة بعموم اللفظ ، وفيه أن على المؤمن أن يكون على يقين وحجة وبينة في دينه وإسلامه .
وفي معنى هذه الآية نجد قوله تعالى : { أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى . . . } ( الرعد : 19 ) .
وقوله تعالى : { لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون } . ( الحشر : 20 ) .
ثم يبين الله الفرق بين المؤمنين المصدّقين ، والكافرين الجاحدين ، والسببَ في كون المؤمنين في أعلى الجنان ، والكافرين في أسفل الجحيم :
{ أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سواء عَمَلِهِ واتبعوا أَهْوَاءَهُمْ }
هل يستوي الفريقان في الجزاء ؟ لا يمكن ، فالذين آمنوا { على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ } رأوا الحق وعرفوه واتبعوه . والذين كفروا زين لهم الشيطان سوء أعمالهم فرأوه حسنا فضلّوا { واتبعوا أَهْوَاءَهُمْ } فهل يستوي الفريقان ؟ لا يستويان أبدا .
{ 14 } { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ }
أي : لا يستوي من هو على بصيرة من أمر دينه ، علما وعملا ، قد علم الحق واتبعه ، ورجا ما وعده الله لأهل الحق ، كمن هو أعمى القلب ، قد رفض الحق وأضله ، واتبع هواه بغير هدى من الله ، ومع ذلك ، يرى أن ما هو عليه من الحق ، فما أبعد الفرق بين الفريقين ! وما أعظم التفاوت بين الطائفتين ، أهل الحق وأهل الغي{[786]} !
قوله تعالى : " أفمن كان على بينة من ربه " الألف ألف تقرير . ومعنى " على بينة " أي على ثبات ويقين . قاله ابن عباس . أبو العالية : وهو محمد صلى الله عليه وسلم . والبينة : الوحي . " كمن زين له سوء عمله " أي عبادة الأصنام ، وهو أبو جهل والكفار . " واتبعوا أهواءهم " أي ما اشتهوا . وهذا التزيين من جهة الله خلقا . ويجوز أن يكون من الشيطان دعاء ووسوسة . ويجوز أن يكون من الكافر ، أي زين لنفسه سوء عمله وأصر على الكفر . وقال : " سوء " على لفظ " من " " واتبعوا " على معناه .
ولما كان هذا دليلاً شهودياً بعد الأدلة العقلية على ما تقدم الوعد به ، سبب عنه{[59486]} الإنكار عليهم فقال : { أفمن كان } أي في جميع أحواله { على بينة } أي حالة ظاهرة البيان في أنها حق { من ربه } المربي المدبر له المحسن إليه بما يقيم من الأدلة التي تعجز{[59487]} الخلائق أجمع{[59488]} عن أن يأتوا بواحد منها فبصر سوء عمله وأريه على حقيقته{[59489]} فرآه سيئاً فاجتنبه مخالفاً لهواه ، قال القشيري : العلماء في ضياء برهانهم والعارفون في ضياء بيانهم . { كمن زين له } بتزيين الشيطان بتسليطنا له عليه وخلقنا للآثار بأيسر أمر { سوء عمله } من شرك أو معصية دونه .
ولما كان التقدير : فرآه حسناً فعمله ملازماً له ، فكان على عمى وضلال ، وكان{[59490]} قد أفرد الضمير لقبول " من " له من جهة لفظها ، جمع رداً على معناها بتعميم القبح مثنى وفرادى ، وإشارة إلى أن-{[59491]} القبيح يكون أولاً{[59492]} قليلاً جداً{[59493]} ، فمتى غفل عنه فلم تحسم مادته دب وانتشر{[59494]} فقال عاطفاً على ما-{[59495]} قدرته : { {[59496]}واتبعوا{[59497]} أهواءهم * } فلا شبهة لهم في شيء من أعمالهم السيئة فضلاً عن دليل ، والآية من الاحتباك ذكر البينة أولاً دليلاً على ضدها ثانياً ، والتزيين و{[59498]}اتباع الهوى ثانياً-{[59499]} دليلاً على ضدهما أولاً ، وسره أنه ذكر الأصل الجامع للخير ترغيباً والأصل الجامع للشر ترهيباً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.