كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم : حتى لا يكون الفيء مقصورا على الأغنياء ، يتداولونه بينهم ، يأخذه هذا مرة ، ويأخذه هذا أخرى ، ولا يأخذ الفقراء منه شيئا .
وما آتاكم الرسول فخذوه : ما أعطاكم الرسول مما أفاء الله عليه من أهل القرى فخذوه .
7- { مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } .
أما الأموال والغنائم التي استولى عليها المسلمون في حرب بني قريظة ، فإنها قسمت بين المحاربين لأن بني قريظة لم يُحشروا ولم يخرجوا عن أوطانهم وإنما قتلهم المسلمون بسيوفهم . وقرى اليهود : أشهرها قرية بني النضير ، وقريظة ، وفدك ، وخيبر ، وقد تبين الحكم في أموال بني النضير في الآية السابقة ، ومثلها ما فتح صلحا مثل فدك ، وأما غنائم سائر القرى مما فتح عنوة ، فإن خمسه لله والرسول ، وأربعة أخماسه تقسم بين المقاتلين .
قال تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل . . . }( الأنفال : 41 ) .
وقد بين الله في الآية الحكمة في إعطاء الفقراء والمساكين نصيبا من أموال الغنائم ولو لم يحاربوا ، إن ذلك لمنع كثرة الأموال في أيدي الأغنياء الذين يشهدون المعارك ، وحرمان الفقراء الذين لا يقوون على أن يشهدوا الحرب .
من أهل القرى : من أهل البلاد التي تفتح بلا قتال .
كي لا يكون دُولة بين الأغنياء : كي لا يتداوله الأغنياء بينهم دون الفقراء .
ثم بين الكلامَ في حكم ما أفاء الله على رسوله من قرى الأعداء عامة فقال :
{ مَّآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى فَلِلَّهِ . . . . } .
ما ردّه الله على رسوله من أموال أهلِ القرى بغير قتال فهو لله ، وللرسول ، ولذي القربى من بني هاشم وبني المطلب ، ولليتامى الفقراء ، وللمساكين ذوي الحاجة والبؤس ، ولابن السبيل المسافر الذي انقطع في بلد وليس لديه مال ، يُعطى ما يوصله إلى بلده .
{ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغنيآء مِنكُمْ } .
إنما حكمْنا بهذه الأحكام وجعلنا المال مقسما بين من ذكَرنا لئلا يأخذه الأغنياء منكم ، ويتداولوه فيما بينهم ، ويحرم الفقراء منه .
وما جاءكم به الرسول من الأحكام والتشريع فتمسّكوا به ، وما نهاكم عنه فاتركوه . ثم حذّر الله الجميع من مخالفة أوامره ونواهيه فقال : { واتقوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ العقاب } .
{ ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } من أموال أهل القرى الكافرة ، { فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } وكان الفيء يخمس خمسة أخماس فكانت أربعة أخماسه لرسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل فيها ما يشاء والخمس الباقي للمذكورين في هذه الآية وأما اليوم فما كان للنبي ص من الفيء يصرف الى أهل الثغور المترصدين للقتال في أحد قولي الشافعي رحمه الله والفيء كا مال رجع الى المسلمين من أيدي الكفار عفوا من غير قتال مثل مال الصلح والجزية والخراج أو هربوا فتركوا ديارهم وأموالهم كفعل بني النضير وقوله { كي لا يكون } يعني الفيء { دولة } متداولا { بين الأغنياء } الرؤساء والأقوياء { منكم وما آتاكم الرسول } أعطاكم من الفيء ، { فخذوه وما نهاكم عنه } عن أخذه { فانتهوا } .
ولما نزع سبحانه أموالهم من أيدي الجيش ، بين مصرف{[63813]} غيرها مما كان مثلها بأن فتح له صلى الله عليه وسلم بغير قتال فقال مستأنفاً جواباً لمن كأنه قال : هل يعم هذا{[63814]} الحكم{[63815]} كل فيء يكون بعد بني النضير{[63816]} : { ما أفاء الله } أي الذي اختص بالعزة{[63817]} والحكمة والقدرة ، { على رسوله } ولما كان سبحانه محيط العلم بأنه يسلط على أهل وادي القرى وغيرهم أعظم من هذا التسليط ، قال ليكون علماً من أعلام النبوة : { من أهل القرى } أي قرية بني النضير وغيرها من وادي القرى والصفراء وينبع وما هنالك من قرى العرب التي تسمى قرى{[63818]} عربية { فالله } أي الملك الأعلى الذي الأمر كله بيده ، { وللرسول } لأنه أعظم خلقه ، فرتبته تلي رتبته ، وهذان يتراءى أنهما{[63819]} قسمان وليس كذلك ، هما قسم واحد ، ولكنه ذكر سبحانه نفسه المقدس تبركاً ، فإن كل أمر لا يبدأ به فهو أجذم ، وتعظيماً لرسوله صلى الله عليه وسلم إعلاماً بأنه لا هوى له أصلاً في شيء من الدنيا ، وإنما رضاه{[63820]} رضا مولاه ، خلقه القرآن الذي هو صفة الله فهو{[63821]} مظهره ومجلاه ، وسهمه{[63822]} صلى الله عليه وسلم يصرف بعده لمصالح المسلمين كالسلاح والثغور والعلماء والقضاة والأئمة .
ولما أبان هذا الكلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضل والعظمة ما لا يدخل تحت الوصف ، أتبعه تعظيماً آخر بتعظيم أقاربه لأجله ، ولذلك أعاد العامل فقال : { ولذي القربى } أي منه{[63823]} ، لأن رتبتهم من بعد رتبته وهم بنو هاشم وبنو المطلب رهط إمامنا الشافعي رضي الله عنه سواء فيه غنيهم وفقيرهم ، لأن أخذهم لذلك بالقرابة لا بالحاجة كما هو مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه . ولما ذكر أهل الشرف ، أتبعه أهل الضعف جبراً لوهنهم فقال مقدماً أضعفهم : { واليتامى } أي{[63824]} الذين هم{[63825]} أحق الناس بالعطف لأن مبنى الدين على التخلق بأخلاق الله التي من أجلّها تقوية الضعيف وجبر الكسير{[63826]} ، { والمساكين } فإنهم{[63827]} في الضعف على أثرهم{[63828]} ودخل فيهم الفقراء فإنه{[63829]} إذا انفرد لفظ الفقير أو المساكين دخل كل منهما في الآخر{[63830]} ، وإنما يفرق إذا جمع بينهما ، وكذا الفيء والغنيمة إذا أفردا{[63831]} جاز أن يدخل كل في الآخر ، وإذا جمعا فالفيء ما حصل بغير قتال وإيجاف خيل وركاب ، والغنيمة ما حصل بذلك ، { وابن السبيل } وهم الغرباء لانقطاعهم عن أوطانهم وعشائرهم ، وقسمة الفيء على هذه الأصناف كما مضى أن يقسم خمسة أقسام : خمس منها{[63832]} لرسول الله صلى الله عليه وسلم و{[63833]}من ذكر معه من المخلوقين وذكر الله فيهم للتبرك ، لأن الأصناف المذكورة هي التي يعبر عنها باسمه سبحانه ، والأربعة الأخماس خاصة له صلى الله عليه وسلم ينفق منها نفقة سنة وما فضل عنه أنفقه في مصالح المسين السلاح والكراع و{[63834]}نحوه ، وما كان له صلى الله عليه وسلم في حياته فهو للمصالح بعد وفاته ، كما كان يفعل بعد ما يفضل عن حاجته ، قال الشافعي رضي الله عنه في الأم{[63835]} : وما أخذ من مشرك بوجه من الوجوه غير ضيافة من {[63836]}مر بهم{[63837]} من المسلمين فهو على وجهين لا يخرج منهما{[63838]} ، كلاهما مبين في كتاب الله تعالى وعلى{[63839]} سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفي فعله فأحدهما الغنيمة ، قال الله تعالى في سورة الأنفال :
{ واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول }[ الأنفال : 41 ]{[63840]} والوجه الثاني الفيء ، وهو مقسوم في كتاب الله في سورة الحشر ، قال الله تبارك وتعالى : { {[63841]}وما أفاء{[63842]} الله على رسوله منهم } - إلى قوله - { رؤف رحيم } فهذان المالان اللذان خولهما الله من جعلهما له من أهل دينه ، وهذه{[63843]} أموال يقوم بها الولاة لا يسعهم تركها . فالغنيمة والفيء تجتمعان في أن فيهما معاً الخمس من جميعهما لمن سماه الله تعالى ، ومن سماه الله تعالى في الآيتين معاً{[63844]} سواء مجتمعين غير مفترقين ، ثم يفترق الحكم في الأربعة الأخماس{[63845]} بما بين الله عز وجل على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وفي فعله فإنه{[63846]} قسم أربعة أخماس الغنيمة ، والغنيمة هي الموجف عليها بالخيل والركاب لمن حضر من غني وفقير ، والفيء وهو ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، فكانت سنة النبي صلى الله عليه وسلم في {[63847]}قرى عرينة{[63848]} التي أفاءها الله عليه أن أربعة أخماسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة دون المسلمين يضعه رسوله الله صلى الله عليه وسلم حيث أراه{[63849]} الله عز وجل ، ثم ذكر حديث عمر رضي الله عنه من رواية مالك بن أوس بن الحدثان رضي الله عنه في خصام علي والعباس رضي الله عنهما ، قال الشافعي{[63850]} : فأموال بني النضير التي أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم التي ذكر عمر رضي الله عنه فيها ما بقي منها في يد النبي صلى الله عليه وسلم{[63851]} بعد الخمس وبعد أشياء فرقها النبي صلى الله عليه وسلم منها بين رجال من المهاجرين لم يعط منها أنصارياً إلا رجلين{[63852]} ذكرا فقراً وهذا مبين في موضعه ، وفي هذا الحديث دلالة على{[63853]} أن عمر رضي الله عنه إنما حكى أن أبا بكر رضي الله عنه وهو أمضيا ما بقي من هذه الأموال التي كانت بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه ما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به فيها ، وأنهما{[63854]} لم يكن لهما مما لم{[63855]} يوجف عليه المسلمون من الفيء ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهما{[63856]} إنما كانا فيه أسوة للمسلمين ، وذلك سيرتهما وسيرة من بعدهما ، والأمر الذي لم يختلف فيه أحد من أهل العلم عندنا علمته{[63857]} ولم يزل يحفظ{[63858]} من قولهم أنه ليس لأحد ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من صفي الغنيمة ولا من أربعة أخماس ما لم يوجف عليه منها ، وقد مضى من كان ينفق{[63859]} عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه وغيرهن إن كان معهن ، فلم أعلم أحداً من أهل العلم{[63860]} قال لورثتهم تلك النفقة التي كانت لهم ، ولا خلاف أن تجعل تلك النفقات حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يجعل فضول غلات تلك{[63861]} الأموال فيما فيه صلاح الإسلام وأهله ، قال الشافعي{[63862]} : والجزية من الفيء وسبيلها سبيل جميع ما أخذ مما أوجف من مال مشرك أن يخمس فيكون لمن{[63863]} سمى الله عز وجل الخمس وأربعة أخماسه على ما سأبينه إن شاء الله تعالى ، وكذلك كل ما أخذ من مشرك من مال غير إيجاف ، وذلك{[63864]} مثل ما أخذ منه إذا اختلف في بلاد المسلمين ومثل ما أخذ منه إذا مات ولا وارث له ، وغير ذلك ما أخذ من ماله ، وقد كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فيء من غير قرى عرينة ، وذلك مثل جزية أهل البحرين وهجر وغير ذلك فكان له أربعة أخماسها يمضيها حيث أراد الله{[63865]} عز وجل وأوفى{[63866]} خمسه من جعله الله له - انتهى .
ولما حكم{[63867]} سبحانه هذا الحكم في الفيء المخالف لما كانوا عليه في الجاهلية من اختصاص{[63868]} الأغنياء به{[63869]} ، بين علته المظهرة لعظمته سبحانه وحسن تدبيره ورحمته فقال معلقاً بما علق به الجار : { كي لا يكون } أي الفيء الذي سيره الله سبحانه بقوته وما خص به نبيه صلى الله عليه وسلم من قذف الرعب في قلوب أعدائه ومن حقه أن يعطاه الفقراء { دولة } أي شيئاً يتناوله أهل الغنى والشرف على وجه القهر والغلبة إثرة{[63870]} جاهلية - هذا على قراءة الجماعة ، وقرأ أبو جعفر وهشام عن ابن عامر {[63871]} بالتأنيث من{[63872]} { كان } التامة و { دولة } بالرفع على أنها فاعل { بين الأغنياء منكم } يتداولونه بينهم فإنهم كانوا يقولون : من عزيز ، ومنه قال الحسن : اتخذوا عباد الله خولاً ومال الله دولاً - يريد من غلب منهم أخذه{[63873]} واستأثر به ، وقيل : الضم اسم للمتداول كالغرفة اسم لما{[63874]} يغترف ، والفتح التداول .
ولما كان التقدير : فافعلوا{[63875]} ما أمرتكم من قسمته لمن أمرت بهم ، عطف عليه قوله : { وما } أي وكل شيء { آتاكم } أي أحضر إليكم وأمكنكم منه { الرسول } أي الكامل في الرسلية من هذا وغيره { فخذوه } أي فتقبلوه تقبل من حازه { وما نهاكم عنه } من جميع الأشياء { فانتهوا } لأنه لا ينطق عن الهوى ولا يقول ولا يفعل إلا ما أمره به الله ربه ، فمن قبل ذلك هانت {[63876]}عليه الأمور{[63877]} كما ورد ( القرآن صعب مستصعب على من تركه ميسر على من طلبه وتبعه ) روي أن الآية نزلت في ناس من الأنصار قالوا : لنا من هذه{[63878]} القرى سهمنا{[63879]} .
ولما كان الكف عما ألفته النفوس صعباً ، ولا سيما ما كان مع كونه تمتعاً{[63880]} بمال على وجه الرئاسة ، رهب من المخالفة فيه بقوله : { واتقوا الله } أي اجعلوا لكم بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاية من عذاب الملك الأعظم المحيط علماً وقدرة ، وعلل ذلك بقوله ، معظماً له بإعادة الجلالة مؤكداً لأن فعل{[63881]} المخالف فعل المنكر : { إن الله } أي الذي له وحده الجلال والإكرام على الإطلاق { شديد العقاب * } أي العذاب الواقع بعد الذنب ، ومن زعم أن شيئاً مما في هذه السورة نسخ بشيء مما في سورة الأنفال فقد أخطأ ، لأن الأنفال نزلت في بدر وهي{[63882]} قبل هذه بمدة .
قوله : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فللّه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } ، سأل المسلمون النبي صلى الله عليه وسلم أن يقسم أموال بني النضير لهم فنزلت هذه الآية . فجعل النبي صلى الله عليه وسلم أموال بني النضير لنفسه خاصة يضعها حيث شاء في مصالح المسلمين فقسمها ( عليه الصلاة والسلام ) بين المهاجرين ولم يعط الأنصار منها شيئا إلا ثلاثة نفر محتاجين وهم أبو دجانة سماك بن خرشة ، وسهل بن حنيف ، والحارث بن الصّمّة . ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان وهما : سفيان بن عمير وسعد بن وهب ، فقد أسلما على أموالهما فأحرزاها .
وروى مسلم في صحيحه عن عمر قال : كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب وكانت للنبي خاصة ، فكان ينفق على أهله نفقة سنة وما بقي يجعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله تعالى ويستدل من الآية أن الفيء هو المال الذي رده الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أو رجعه عليه من بني النضير وأمثالهم من غير إيجاف ولا قتال فحكمه أن يصرف في وجوهه التي بينتها الآية ، فهي لله ، وهو سبحانه مالك كل شيء ، يحكم في ملكوته كما يشاء ، ثم للرسول صلى الله عليه وسلم ينفق منه في قوت نفسه وعياله . ثم لذي القربى ، وهم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وبني المطلب ، لأنهم قد منعوا من الصدقات فجعل لهم الحق في الفيء . ثم اليتامى وهم المحاويج من أطفال المسلمين . ثم المساكين وهم أهل الفاقة الذين لا يملكون شيئا . ثم ابن السبيل وهو المنقطع في بلاد الله من المسافرين في غير معصية لله سبحانه . وقيل : ثمة سهم لله سادس ، يصرف في وجوه القرب كعمارة المساجد وبناء القناطر و الجسور وغير ذلك من مصالح المسلمين .
قوله : { كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم } يعني قسمنا هذا الفيء الذي أخذتموه من غير قتال لهذه الأصناف المبيّنة في الآية كيلا يكون هذا الفيء متداولا بين الأغنياء من الناس يستأثرون به لأنفسهم دون غيرهم من الفقراء والعالة والمحاويج .
ويستدل من ذلك : كراهة الحصر للأموال فتكون كثيرة مركومة لدى قلة قليلة من الناس دون الأكثرين الفقراء الذين يكابدون القلة والجوع والمسألة . وذلكم تشريع عظيم ومميز لسياسة المال في الإسلام ، إذ يستطيع الحاكم بموجبه أن يصطنع من الأساليب في الاقتصاد وتوزيع الثروة ما يحول دون حصر المال والثراء لدى فئة قليلة في المجتمع . لا جرم أن نظام الإسلام في هذه المسألة وغيرها من المسائل ، مغاير كليا للنظام الرأسمالي ، الذي يقيم الحياة على الحرية المطلقة أو الانمياع في التصرف والسلوك والعلاقات الاجتماعية برمتها . وهو في تصوره للمال يعتمد النظام الربوي أسلوبا أساسيا للكسب وجمع الثروة .
قوله : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } وهذا بعمومه يوجب أن كل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فهو أمر من الله ، وأن ما نهى عنه فهو نهي من الله كذلك . وعلى هذا مهما أمر به النبي فإنه يجب فعله ، ومهما نهى عنه فإنه يجب اجتنابه . فلا يأمر النبي إلا بخير ولا ينهى إلا عن شر . وهو ( عليه السلام ) مخوّل من ربه أن يبين للناس ما نزل إليهم من عند الله . فما يصدر عنه من شيء في ذلك إلا هو وحي أوحى الله به إليه ، فقد روى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال : " لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله عز وجل " فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب فجاءت إليه فقالت : بلغني أنك قلت كيت وكيت . قال : ما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي كتاب الله . فقالت : إني لأقرأ ما بين لوحيه فما وجدته . فقال : إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه ، أما قرأت { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } قالت : بلى . قال : فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه .
وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه " .
قوله : { واتقوا الله إن الله شديد العقاب } أي خافوا الله في امتثال أوامره واجتناب نواهيه وزواجره ، فإن عقابه شديد ، وأخذه أليم وجيع لمن عصاه ونكل عن طاعته فخالف أمره{[4499]} .