تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ} (15)

الأرض ذلولا : مذللة لينة سهلة تستقرون عليها .

مناكبها : جوانبها ، أو طرقها وفجاجها .

النشور : إليه وحده مهمة نشركم ، أي إحيائكم من قبوركم للحساب والجزاء .

15- هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور .

أرسى الله الأرض بالجبال ، وحفظ سبحانه توازنها ، وأودع فيها الجاذبية ، وذلل الطرق ويسّر الرزق ، وأودع في الأرض أقواتها وأرزاقها ، ويسّر للإنسان طرق الكسب بالزراعة والصناعة والتجارة ، والعلوم والفنون وغيرها .

وأودع الله في الأرض المعادن والمياه ، والحديد والبترول ، وذلل الأرض لاستفادة الإنسان ، وفي ذلك دعوة من الله لنا ، لاستخدام طاقات الأرض وإعمارها ، فلا يكفي أن نستخرج البترول ، بل ينبغي تصنيع البترول والاستفادة بمشتقاته ، والناس لطول إلفهم بالأرض ينسون فضل الله عليهم في تسخير الأرض لهم .

ومعنى الآية :

لقد أنعم الله عليكم بأرض مذللة ممهدة للاستفادة بها في الزراعة والسير ، واستخراج ما في باطنها ، والبناء عليها ، فسيروا في الأرض ، وتمكّنوا من نواحيها ومناكبها ، وسيطروا على أرض الإسلام وبلاده ، واستفيدوا من خيرات بلادكم ورزق ربكم . وإلى الله مرجعكم فيحاسبكم على أعمالكم ، وفي الآية دعوة لأمة الإسلام أن تلتمس العزّ والسؤدد ، باستثمار خيرات بلادها ، وتعاون المسلمين فيما بينهم ، وأن يكون هناك تكامل بين الأمة الإسلامية وتعاون وترابط ، حتى نكون كما أمر الله تعالى : صفّا واحدا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا .

قال تعالى : إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون . ( الأنبياء : 92 ) .

وقال صلى الله عليه وسلم : ( ترى المسلمين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى )x .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ} (15)

{ 15 } { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ }

أي : هو الذي سخر لكم الأرض وذللها ، لتدركوا منها كل ما تعلقت به حاجتكم ، من غرس وبناء وحرث ، وطرق يتوصل بها إلى الأقطار النائية والبلدان الشاسعة ، { فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا } أي : لطلب الرزق والمكاسب .

{ وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } أي : بعد أن تنتقلوا من هذه الدار التي جعلها الله امتحانًا ، وبلغة يتبلغ بها إلى الدار الآخرة ، تبعثون بعد موتكم ، وتحشرون إلى الله ، ليجازيكم بأعمالكم الحسنة والسيئة .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ} (15)

{ هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً } سهلة لا يمتنع المشي فيها بالحزونة ، { فامشوا في مناكبها } قال ابن عباس وقتادة : في جبالها ، وقال الضحاك : في آكامها . وقال مجاهد : في طرقها وفجاجها . قال الحسن : في سبلها . وقال الكلبي : في أطرافها . وقال مقاتل : في نواحيها . وقال الفراء : في جوانبها ، والأصل في الكلمة الجانب ، ومنه منكب الرجل ، والريح النكباء ، وتنكب فلان . { وكلوا من رزقه } مما خلقه رزقاً لكم في الأرض . { وإليه النشور } أي : وإليه تبعثون من قبوركم .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ} (15)

{ هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا } سهلا مسخرة { فامشوا في مناكبها } جوانبها { وإليه النشور } إليه يبعث الخلق .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ} (15)

قوله تعالى : " هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا " أي سهلة تستقرون عليها . والذلول المنقاد الذي يذل لك ، والمصدر الذل وهو اللين والانقياد . أي لم يجعل الأرض بحيث يمتنع المشي فيها بالحُزُونَة والغلظة . وقيل : أي ثبتها بالجبال لئلا تزول بأهلها ، ولو كانت تتكفأ متماثلة لما كانت منقادة لنا . وقيل : أشار إلى التمكن من الزرع والغرس ، وشق العيون والأنهار وحفر الآبار . " فامشوا في مناكبها " هو أمر إباحة ، وفيه إظهار الامتنان . وقيل : هو خبر بلفظ الأمر ، أي لكي تمشوا في أطرافها ونواحيها ، وآكامها وجبالها . وقال ابن عباس وقتادة وبشير بن كعب : " في مناكبها " في جبالها . وروي أن بشير بن كعب كانت له سرية فقال لها : إن أخبرتني ما مناكب الأرض فأنت حرة ؟ فقالت : مناكبها جبالها . فصارت حرة ، فأراد أن يتزوجها فسأل أبا الدرداء فقال : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك . مجاهد : في أطرافها . وعنه أيضا : في طرقها وفجاجها . وقاله السدي والحسن . وقال الكلبي : في جوانبها . ومنكبا الرجل : جانباه . وأصل المنكب الجانب ، ومنه منكب الرجل . والريح النكباء . وتنكب فلان عن فلان . يقول : امشوا حيث أردتم فقد جعلتها لكم ذلولا لا تمتنع . وحكى قتادة عن أبي الجلد : أن الأرض أربعة وعشرون ألف فرسخ ، فللسودان اثنا عشر ألف ، وللروم ثمانية آلاف ، وللفرس ثلاثة آلاف ، وللعرب ألف . " وكلوا من رزقه " أي مما أحله لكم ، قاله الحسن . وقيل : مما أتيته لكم . " وإليه النشور " المرجع . وقيل : معناه أن الذي خلق السماء لا تفاوت فيها ، والأرض ذلولا ، قادر على أن ينشركم .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ} (15)

ولما كان ذلك أمراً غامضاً ، دل عليه بأمر مشاهد أبدعه بلطفه ، وأتقنه بخبرته ، لاستدعاء الشكر من عباده على ما أبدع لهم ، ومنََََ عليهم{[66924]} به من النعم الباهرة التي بها قوامهم{[66925]} ، ولولاه لما كان لهم بقاء فقال مستأنفاً : { هو } أي وحده { الذي جعل لكم } لتتوصلوا إلى ما ينفعكم{[66926]} { الأرض } على سعتها وعظمها{[66927]} وحزونة كثير منها { ذلولاً } أي مسخرة لا تمتنع ، قابلة للانقياد لما تريدون{[66928]} منها من مشي ، وإنباط مياه ، وزرع حبوب ، وغرس أشجار ، وغير ذلك ، غاية الانقياد ، بما تفهمه صيغة المبالغة ، مع أن فيها أماكن خوارة تسوخ فيها الأرجل ، ويغوص فيها ما خالطها ، ومواضع مشتبكة بالأشجار يتعذر أو يتعسر سلوكها ، وأماكن {[66929]}ملأى سباعاً وحيات{[66930]} وغير ذلك من الموانع ، وأماكن هي جبال شاهقة ، إما يتعذر سلوكها كجبل السد بيننا وبين ياجوج وماجوج{[66931]} ، ورد في الحديث أنه تزلق عليه الأرجل ولا تثبت ، أو يشق سلوكها ، ومواطن{[66932]} هي بحور عذبة أو ملحة ، فلو شاء لجعلها كلها كذلك ليكون بحيث لا يمكن الانتفاع بها ، فما قسمها إلى سهول وجبال ، وبرور وبحور ، وأنهار وعيون ، وملح وعذب ، وزرع وشجر ، وتراب وحجر ، ورمال ومدر ، وغير ذلك ، إلا لحكمة بالغة وقدرة باهرة ، لتكون قابلة لجميع ما تريدون منها ، صالحة لسائر ما ينفعكم فيها{[66933]} .

ولما كان معنى التذليل ما تقدم ، سبب عنه قوله تمثيلاً لغرض التذليل ، لأن منكبي البعير وملتقاهما من الغاربين أرق{[66934]} شيء وأنباه عن أن يطأه الراكب بقدمه ويعتمد عليه : { فامشوا } أي{[66935]} الهوينا مكتسبين وغير مكتسبين إن شئتم ، من غير صعوبة توجب لكم وثباً أو حبواً { في مناكبها } أي أماكنها التي هي لولا تسهيلنا لمناكب الحيوانات لكانوا{[66936]} ينتكبون عن الوقوف عليها ، فكيف بالمشي ، و{[66937]}قال ابن عباس رضي الله عنهما{[66938]} : إنها{[66939]} الجبال - لأن تذليلها أدل دليل{[66940]} على تذليل غيرها ، وليكن مشيتكم فيها وتصرفكم بذل وإخبات وسكون{[66941]} استصغاراً لأنفسكم ، وشكراً لمن سخر لكم ذلك - {[66942]}والله الهادي{[66943]} .

ولما ذكر سبحانه أنه يسرها للمشي ، ذكرهم بأنه سهلها لإخراج الخيرات والبركات فقال : { وكلوا } ودل على أن الرزق فوق الكفاية{[66944]} بقوله : { من رزقه } أي الذي أودعه لكم فيها ، وأمكنكم من إخراجه بضد ما تعرفون{[66945]} من أحوالكم ، فإن الدفن في الأرض مما يفسد المدفون ويحيله إلى جوهرها ، كما يكون لمن قبرتموه فيها ، ومع ذلك فأنتم تدفنون الحب وغيره مما ينفعكم ، فيخرجه لكم سبحانه على أحسن ما تريدون ، ويخرج لكم{[66946]} من{[66947]} الأقوات والفواكه والأدهان والملابس ما تعلمون ، وكذلك النفوس هي صعبة كالجبال ، وإن قدتها للخير انقادت لك ، كما قيل " هي النفس ما{[66948]} عودتها تتعود " .

ولما كان التقدير للبعث على الشكر والتحذير{[66949]} من الكفر : واعبدوه جزاء على إحسانه إليكم وتربيته لكم . فمنه مبدأ{[66950]} جميع ذلك ، عطف عليه ما يدعو إلى الحياء من السيد ، والخجل من توبيخه عند لقائه فقال : { وإليه } أي وحده { النشور * } وهو إخراج جميع الحيوانات التي أكلتها الأرض وأفسدتها ، يخرجها في الوقت الذي يريده على ما كان كل منها عليه{[66951]} عند الموت كما أخرج تلك الأرزاق ، لا فرق بين هذا وذاك ، غير أنكم لا تتأملون فيسألكم{[66952]} عما كنتم تعملون ، فيا فوز من شكر ، ويا هلاك من كفر ، فإن هذا أبعث شيء على الشكر ، وأشد شيء إبعاداً عن العصيان لا سيما الكفر ، لما قرر من حاجة الإنسان ، و{[66953]}الإحسان إليه{[66954]} بأنواع الإحسان .


[66924]:- من ظ وم، وفي الأصل: عليه.
[66925]:- من ظ وم، وفي الأصل: قواهم.
[66926]:- زيد من الأصل: من، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66927]:- من ظ وم، وفي الأصل: عظمتها.
[66928]:- من ظ وم، وفي الأصل: يريدونه.
[66929]:- من ظ وم، وفي الأصل: قد ملئت من الحيات والسباع.
[66930]:- من ظ وم، وفي الأصل: قد ملئت من الحيات والسباع.
[66931]:- زيد في الأصل: لأنه، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66932]:- من ظ وم، وفي الأصل: مواضع.
[66933]:- من ظ وم، وفي الأصل: منها.
[66934]:- من ظ وم، وفي الأصل: أدق.
[66935]:- زيد من ظ وم.
[66936]:- سقط من ظ وم.
[66937]:- زيد من ظ وم.
[66938]:- راجع المعالم بهامش اللباب 7/ 105.
[66939]:- من ظ وم، وفي الأصل: هي.
[66940]:- سقط من ظ وم.
[66941]:- زيد في الأصل: ذلك، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66942]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[66943]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[66944]:- من ظ وم، وفي الأصل: الكفاف.
[66945]:- من ظ وم، وفي الأصل: تعرفونه.
[66946]:- في م: لهم.
[66947]:- من ظ، وفي الأصل وم: منه.
[66948]:- من ظ وم، وفي الأصل: إن.
[66949]:- من ظ وم، وفي الأصل: التحديد.
[66950]:- من ظ وم، وفي الأصل: مبتدأ.
[66951]:- زيد من ظ وم.
[66952]:- زيد من ظ وم.
[66953]:- زيد من ظ وم.
[66954]:- زيد من ظ وم.