تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَقَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِهِۦ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ} (52)

{ وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد } .

المفردات :

التناوش : تناول الإيمان والتوبة .

مكان بعيد : هو الآخرة إذ أماكن الإيمان هو الدنيا .

التفسير :

في يوم القيامة ويوم البعث ومشاهدة الحساب لا يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وأنى وكيف يتأتى لهم تناول الإيمان تناولا سهلا من مكان بعيد عن محل القبور ؟ لأن الدار الآخرة هي دار الجزاء والدنيا هي دار العمل وفي الأثر : " الدنيا عمل ولا حساب والآخرة حساب ولا عمل " .

قال الفخر الرازى :

الماضي كالأمس الدابر لا يمكن الوصول إليه والمستقبل وإن كان بينه وبين الحاضر سنون فإنه آت وفي يوم القيامة الدنيا بعيدة لمضيها وفي الدنيا يوم القيامة قريب لإتيانه .

قال تعالى : { لعل الساعة قريب } ( الشورى : 18 )

وقوله تعالى : { من مكان بعيد } والمراد : ما مضى من الدنيا . اه .

وبعبارة أخرى : كما أن رجوع الزمان الماضي من الدنيا بعيد أو مستحيل فكذلك قبول الإيمان في الآخرة بعيد أو مستحيل .

وفي الأدب العربي : أن كليبا لما قتل رغبت قبيلة القاتل في الصلح فأرسلت إلى أخيه جساس تعرض عليه الصلح نظيرا أن ينفذوا له ما يطلب فقال جساس : ( انشروا لي كليبا ) أي : طلب أمرا مستحيلا وهو إعادة كليبا حيا حتى يصطلح ومن شعر جساس :

يا لبكر اشروا كليبا *** يا لبكر أين أين الفرار

أو يكون معنى الآية : الإيمان لا يقبل إلا في الدنيا والعودة إلى الدنيا مستحيلة فأنى لهم الإيمان من مكان بعيد عن الدنيا وأنى لهم العودة إلى الدنيا .

وفي سورة المؤمنون : { ربنا أخرجنا منها فأن عدنا فإنا ظالمون* قال أخسئوا فيها ولا تكلمون } ( المؤمنون : ( 107-108 ) .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِهِۦ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ} (52)

{ وَقَالُوا } في تلك الحال : { آمَنَّا } بالله وصدقنا ما به كذبنا { و } لكن { أَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ } أي : تناول الإيمان { مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ } قد حيل بينهم وبينه ، وصار من الأمور المحالة في هذه الحالة ، فلو أنهم آمنوا وقت الإمكان ، لكان إيمانهم مقبولا ، ولكنهم { كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ }

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَقَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِهِۦ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ} (52)

والأقرب أن يكون القرآن{[57165]} الذي قالوا إنه إفك مفترى { وأنّى } أي وكيف ومن أين { لهم التناوش } أي تناول الإيمان أو شيء من ثمراته ، وكأنه عبر به لأنه يطلق على الرجوع ، فكان المعنى أن ذلك بعد عليهم من جهة أنه لا يمكن إلا برجوعهم إلى الدنيا التي هي دار العمل ، و{[57166]} أنى لهم ذلك ؟ وهو تمثيل{[57167]} لحالهم - في طلبهم أن ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت كما نفع المؤمنين إيمانهم في الدنيا - بحال من يريد أن يتناول شيئاً من علوه كما يتناوله الآخر من قدر ذراع تناولاً سهلاً ، لا نصب فيه ، ومده أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم{[57168]} لهمزهم إياه فقيل : إن الهمز على الواو المضمومة كما همزت في وجوه ووقتت{[57169]} فيكون لفظه موافقاً لمعناه ، والصحيح أنه ليس من هذا{[57170]} ، لأن شرط همز الواو المضمومة ضمةً لازمةً أن لا يكون مدغماً فيها إذا كانت وسطاً كالتعود{[57171]} ، وأن لا يصح في الفعل نحو تناول وتعاون ، وقد حكى عن أبي عمرو أن معناه بالهمز التناول من بعد ، من قولهم نأش - بالهمز - إذا أبطل وتأخر ، والنيش حركة في إبطاء ، والنأش أيضاً : الأخذ ، فيكون الهمز أصلياً ، وقرأه الباقون بالواو مثل التناول لفظاً ومعنى ، فقراءة الواو المحضة تشير إلى أنهم يريدون تناولاً سهلاً مع{[57172]} بعد المتناول في المكان ، وقراءة الهمز إلى أن إرادتهم تأخرت وأبطأت حتى فات وقتها ، فجمعت إلى بعد المكان بعد الزمان .

ولما كان البعيد لا يمكن{[57173]} الإنسان تناوله مع بعده قال : { من مكان بعيد * } فإنه بعد كشف الغطاء{[57174]} عند مجيء البأس لا ينفع الإيمان


[57165]:زيد من ظ وم ومد.
[57166]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أو.
[57167]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: تمثيلهم.
[57168]:راجع نثر المرجان 5/497.
[57169]:من م ومد، وفي الأصل وظ: وقت.
[57170]:سقط من ظ.
[57171]:من ظ ومد، وفي الأصل وم: كالمتعود.
[57172]:سقط من ظ.
[57173]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: من.
[57174]:سقط من ظ.