تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبۡعُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِيهِنَّۚ وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمۡدِهِۦ وَلَٰكِن لَّا تَفۡقَهُونَ تَسۡبِيحَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورٗا} (44)

40

المفردات :

تسبح له : تنزهه عن النقائص وتقدسه .

تفقهون : تفهمون .

التفسير :

44- { تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا } .

أي : إن السماوات السبع والأرض ومن فيهن من المخلوقات تنزهه وتعظمه عما يقول هؤلاء المشركون ، وتدل بإتقان صنعها على تنزيه الله سبحانه عن كل نقص وأنه لا شريك له ، وما من شيء من المخلوقات في ملكه الواسع إلا ينزهه كذلك مع الثناء ، ولكن الكافرين لا يفهمون هذه الأدلة ؛ لاستيلاء الغفلة على قلوبهم وكان الله حليما عليهم ، غفورا لمن تاب فلم يعاجلهم بالعقوبة .

والآية تدل على أن الأشياء كلها تسبح لله وتسجد له ، بعضها بالتسخير وبعضها بالاختيار .

( وذهب كثيرون إلى أن التسبيح المذكور مجازي ، على طريقة الاستعارة التمثيلية أو التبعية . كنطقت الحال . فإنه استعير فيه التسبيح للدلالة على وجود فاعل قادر حكيم واجب الوجود منزه عن الولد والشريك ، كما يدل الأثر على مؤثره فجعلت تلك الدلالة الحالية كأنها تنزيه له عما يخالفه{[412]} ، كما قال أبو نواس :

وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه الواحد

وجاء في ظلال القرآن :

وأنه لمشهد كوني فرد حين يتصور القلب كل حصاة وكل حجر ، كل حبة وكل ورقة ، كل زهرة وكل ثمرة ، كل نبتة وكل شجرة ، كل حشرة وكل زاحفة ، كل حيوان وكل إنسان ، كل دابة على الأرض وكل سابحة في الماء والهواء . . . ومعها سكان السماء . . . كلها تسبح لله وتتوجه إليه في علاه .

وإن الوجدان ليرتعش وهو يستشعر الحياة تدب في كل ما حوله مما يراه ومما لا يراه ، وكلما همت يده أن تلمس شيئا ، وكلما همت رجله أن تطأ شيئا . . . سمعه يسبح لله ، وينبض بالحياة{[413]} .

وقد أخرج الإمام أحمد وابن مردويه عن ابن عمر : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن نوحا عليه السلام لما حضرته الوفاة قال لابنه : آمركما بسبحان الله وبحمده ؛ فإنها صلاة كل شيء ، وبها يرزق كل شيء ) .


[412]:- تفسير القاسمي ج 10 ص 3933.
[413]:- في ظلال القرآن بقلم سيد قطب ج 15 ص 39.