تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبۡعُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِيهِنَّۚ وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمۡدِهِۦ وَلَٰكِن لَّا تَفۡقَهُونَ تَسۡبِيحَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورٗا} (44)

الآية 44 : ثم قال : { تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن }ثم يحتمل ما ذكر( وجوها :

أحدهما ){[10911]} : جعل الله تعالى في خلقه السماوات ولأرض وما ذكره دلالة على وحدانيته وألوهيته وشهادة{[10912]} له أنه واحد ، لا شريك له ، ولا شبيه . فإن كان على هذا يدخل{[10913]} فيه كل شيء ذو الروح وغيره ، فيكون قوله : { ولكن لا تفقهون تسبيحهم } للكفرة{[10914]} خاصة . وأما أهل الإسلام ( فإنهم ){[10915]}يفقهون ذلك .

والثاني : جعل{[10916]} الله في سرية هذه الأشياء ما ذكر من التسبيح والتنزيه ، لكن لا نفقه نحن ذلك ، ونعيه على ما أخبر{ ولكن لا تفقهون تسبيحهم } وهي لا تعرف أيضا أن ذلك تسبيح علة ما جعل في الجوارح والأعضاء تسبيحا وعبادة له ، وإن كانت هي ، لا تعرف ذلك أنها تسبح .

والثالث : ( جعل الله ){[10917]} صوت هذه الأشياء تسبيحا له حقيقة على معرفة هذه الأشياء أنه تسبيح ، وإن كان لا يعرف ذلك إلا خوص من الناس ، وهم الأنبياء ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { إنه كان حليما غفورا } الحلم هو ضد السفه ، وهو الحليم ، ليس بعجول ، أي لا يعجل بالعقوبة{ غفورا } إذا تابوا ، أو{ غفورا } حين{[10918]} ستر عليهم فضائحهم . الحلم ما ذكرنا ضد السفه والعجلة : ذكر ههنا على إثر ما ذكر منهم من القول الوحش فيه والعظيم : أنه حليم ليعلموا أنه عن حلم ، لم يأخذهم بالعقوبة عاجلا ، { غفورا } ليعلموا أنهم ، وإن أعظموا القول فيه ، يغفر لهم ، ويتجاوز عنهم ، إن رجعوا ، وتابوا .

فإن قال لنا ملحد : إنكم تصفون ربكم بالحلم والرحمة ثم يقولون : إنه يعذب أبد الآبدين في النار بكفر كان ( من كافر ){[10919]} فأني تكون فيه رحمة أو حلم ؟

قيل : إنكم لا تعرفون ما الحلم ؟ وما الرحمة ؟ ولو عرفتم ما قلتم ذلك ، ولو يعذب على الكفر أبد الآبدين لم يكن حليما ، ولكن ( يكون ){[10920]} سفيها . وكذلك الرحمة . وليس خروج الشيء على غير موافقة الطبع بالذي يخرج صاحبه عن حد الحكمة والرحمة . فأنتم إنما تصورتم الحكمة والرحمة على موافقة طباعكم وليس كذا .

وكذلك يقال للمعتزلة حين{[10921]} قالوا : إنه لا يفعل إلا ما هو أصلح لنا في الدين لأنه جواد ، فلو منع الأصلح والأخير لم يكن/302-أ/جوادا موصوفا بالجود ، وإنما قدرتم ، وقلتم ، على ما وافق طباعكم وأنفسكم ، ولو{[10922]} عرفتم حقيقة الجود ما قلتم ذا ، ولا خطر على بالكم شيء من ذلك{[10923]} . وإنما على الله أن يختار لكل ما علم منه أن يختار ، ويؤثر لأنه لا يجوز أن يختار الولاية لمن علم منه أنه يختار ( عداوته ، وكذلك لا يجوز أن يختار ){[10924]} العداوة لمن علم منه أنه يختار ولايته .

وليس على الله تعالى حفظ الأصلح لأحد في الدين بل عليه حفظ ما توجبه الحكمة والربوبية .

وفي ذكر تسبيح{[10925]} من ذكر من جميع الموات على إثر ما ذكر من قول أولئك الكفرة من وصف الله تعالى بالولد والشركاء ( ونحوهما وجوه ){[10926]} .

أحدها : ذكر سفههم أنهم مع ادعائهم العقل والعلم والتمييز والسؤدد ، وصفوا الله بالذي لا يليق به وما يسقط الألوهية والربوبية عنه على زعمهم . فالذين ليس لهم شيء من ذلك التمييز والفهم والعقل نزهوه عن ذلك كله ، وبرؤوه عن جميع ذلك .

الثاني : ذكر تسبيحهم ( على إثر ذلك ليعلم أن لا حاجة إلى تسبيحهم ){[10927]}ولا منفعة في ذلك ، إذ يسبح له جميع الخلائق سواهم . بل منفعة تسبيحهم ترجع إليهم .

والثالث : ذكر ( تسبيحهم ){[10928]} لإثبات الرسالة للرسل ، لأنهم ذكروا تسبيح الموات ولا يفهم ذلك ، ولا يعقل إلا بوحي من السماء ، فذلك يدل على الرسالة .

فعلى هذه الوجوه الثلاثة التي ذكرنا يجوز تسبيح ما ذكر على إثر ذكر ما ذكر .

وكذلك ذكر سجود الموات يخرج على هذه الوجوه التي ذكرنا ، والله أعلم .


[10911]:في الأصل و.م : وجهين أحدهما.
[10912]:في الأصل و.م : وشاهدة.
[10913]:في الأصل و.م: فيدخل.
[10914]:في الأصل و.م : الكفرة.
[10915]:ساقطة من الأصل و.م.
[10916]:أدرج قبلها في الأصل و.م: أنه.
[10917]:في الأصل و.م : أنه جعل.
[10918]:في الأصل و.م : حيث.
[10919]:في الأصل و.م: فيه.
[10920]:ساقطة من الأصل و.م.
[10921]:في الأصل و.م : حيث.
[10922]:من م، في الأصل و.م: وقوله.
[10923]:من م، في الأصل : شيء.
[10924]:من م، ساقطة من الأصل.
[10925]:أدرج قبلها في الأصل: من.
[10926]:في الأصل و.يخرج على.
[10927]:من م، ساقطة من الأصل.
[10928]:ساقطة من الأصل و.م.