الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبۡعُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِيهِنَّۚ وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمۡدِهِۦ وَلَٰكِن لَّا تَفۡقَهُونَ تَسۡبِيحَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورٗا} (44)

والمراد أنها تسبح له بلسان الحال ، حيث تدل على الصانع وعلى قدرته وحكمته ، فكأنها تنطق بذلك ، وكأنها تنزه الله عز وجلّ مما لا يجوز عليه من الشركاء وغيرها .

فإن قلت : فما تصنع بقوله { ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } وهذا التسبيح مفقوه معلوم ؟ قلت : الخطاب للمشركين ، وهم وإن كانوا إذا سئلوا عن خالق السموات والأرض قالوا : الله ؛ إلا أنهم لما جعلوا معه آلهة مع إقرارهم ، فكأنهم لم ينظروا ولم يقرّوا ؛ لأنّ نتيجة النظر الصحيح والإقرار الثابت خلاف ما كانوا عليه ، فإذا لم يفقهوا التسبيح ولم يستوضحوا الدلالة على الخالق .

فإن قلت : من فيهنّ يسبحون على الحقيقة وهم الملائكة والثقلان ، وقد عطفوا على السموات والأرض ، فما وجهه ؟ قلت : التسبيح المجازي حاصل في الجميع فوجب الحمل عليه ، وإلا كانت الكلمة الواحدة في حالة واحدة محمولة عل الحقيقة والمجاز { إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } حين لا يعاجلكم بالعقوبة على غفلتكم وسوء نظركم وجهلكم بالتسبيح وشرككم .