تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{قِيلَ لَهَا ٱدۡخُلِي ٱلصَّرۡحَۖ فَلَمَّا رَأَتۡهُ حَسِبَتۡهُ لُجَّةٗ وَكَشَفَتۡ عَن سَاقَيۡهَاۚ قَالَ إِنَّهُۥ صَرۡحٞ مُّمَرَّدٞ مِّن قَوَارِيرَۗ قَالَتۡ رَبِّ إِنِّي ظَلَمۡتُ نَفۡسِي وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَيۡمَٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (44)

38

44-{ قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت : رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين } .

كان سليمان عليه السلام قد بنى قصرا من البلور ، أقيمت أرضيته فوق الماء ، وظهر كأنه لجة .

فلما قيل : ادخلي قصر سليمان عليه السلام ، حسبت أنها ستخوض تلك اللجة من الماء ؛ فكشفت عن ساقيها ، لتمنع ثيابها من البلل ، فقال سليمان عليه السلام : إنه قصر مملس من الزجاج الصافي .

وهنا نجد الملكة تتابع أمامها مشاهد المفاجآت ، واحدة وراء الأخرى ، وتشاهد هنا عظمة بالغة في بناء القصر ، والصرح العظيم ، والمياه المتدفقة ، والزجاج المموج ، وألوان التقدم العلمي والتقني والفني ، مع العظمة الباهرة في الجنود والأتباع ، والقصور والقوى العجيبة المسخرة ، فأعلنت ندمها على عبادة الشمس من دون الله ، وتأخير إسلامها وإيمانها بالله رب العالمين ، { قالت رب إني ظلمت نفسي . . } بالشرك وعبادة الشمس .

{ وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين }

وتابعت سليمان في دينه ، والإيمان والانقياد لله رب العالمين وخالق الأكوان من الأزل إلى الأبد .

قال ابن كثير : والغرض أن سليمان عليه السلام ، اتخذ قصرا عظيما ، منيفا من زجاج لهذه الملكة ، ليريها عظمة سلطانه وتمكنه ، فلما رأت ما آتاه الله ، وعظمة ما هو فيه ، وتبصرت في أمره ، انقادت لأمر الله تعالى ، وعرفت أنه نبي كريم ، ومليك عظيم ، وأسلمت لله عز وجل .

لطيفة : أخذ بعض العلماء من قوله تعالى : { وتفقد الطير . . } استحباب تفقد الملك لأحوال الرعية وكذلك تفقد الأصدقاء ، والإخوان ، والخلان ، وأنشد بعضهم .

سنّ سليمان لنا سُنّةً *** وكان فيما سنّة مُقتدى

تفقد الطير على ملكه *** فقال : ماليَ لا أرى الهدهدا

/خ44