جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{قِيلَ لَهَا ٱدۡخُلِي ٱلصَّرۡحَۖ فَلَمَّا رَأَتۡهُ حَسِبَتۡهُ لُجَّةٗ وَكَشَفَتۡ عَن سَاقَيۡهَاۚ قَالَ إِنَّهُۥ صَرۡحٞ مُّمَرَّدٞ مِّن قَوَارِيرَۗ قَالَتۡ رَبِّ إِنِّي ظَلَمۡتُ نَفۡسِي وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَيۡمَٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (44)

{ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي{[3778]} الصَّرْحَ } القصر أمر قبل قدومها فبُنيَ صحنه من زجاج أبيض وتحته الماء ، وألقي فيه حيوانات البحر ، ووضع سريره في صدره ، { فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً } ماءا راكدا ، { وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا } وإنما فعل ذلك ليريها عظمته ومعجزته ، أو لأنه أراد أن يتزوجها ، وقد قيل له : إن قديمها كحافر حمار ، فأراد أن يبصرها فرأى أحسن الناس{[3779]} ساقا ، { قَالَ } لها : { إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ } ، مملس ، { مِّن قَوَارِيرَ } : زجاج فلا تخافي ولا تكشفي عن ساقيك ، { قَالَتْ } لما رأت معجزته ودعاها إلى الإسلام ، { رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي } بالشرك ، { وَأَسْلَمْتُ{[3780]} مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } فيما أمر به عباده .


[3778]:أخرج ابن المنذر وعبد بن حميد، وابن أبي شيبة وغيرهم عن ابن عباس في أثر طويل: إن سليمان تزوجها بعد ذلك، قال أبو بكر بن أبي: شيبة ما أحسنه من حديث، قال ابن كثير في تفسره بعد حكاية هذا القول: بل هو منكر جدا، ولعله من أوهام عطاء بن السائب على ابن عباس والله أعلم، والأقرب في مثل هذه السياقات أنها متقاة من أهل الكتاب مما يوجد في صحفهم لروايات كعب ووهب سامحهما الله فيما نقلا إلى هذه الأمة من بني إسرائيل من الأقاويل والغرائب، والعجائب مما كان ومما لم يكن، ومما حرف وبدل ونسخ انتهى، وكلامه هذا هو شعبة مما قد كررناه في هذا التفسير، ونبهنا عليه في عدة مواضع، وكنت أظن أنه لم ينبه على ذلك غيري، فالحمد لله على هذه الموافقة لمثل هذا الحافظ المنصف، وقيل: انتهى أمرها إلى قولها: (أسلمت)، ولا علم لأحد وراء ذلك، لأنه لم يذكر في الكتاب ولا في خبر صحيح /12 فتح.
[3779]:وعند بعض: إن المقصود من الصرح إرادة عظمته، وحصول كشف الساق تبع، وإما أنها كانت شعراء، فأمر الجن فاحتالوا النورة فمذكور في القصص /12 وجيز.
[3780]:مع اسم يدل على الصحبة واستحداثها، كما صرح به الزمخشري في سورة (يوسف) عند قوله: {ودخل معه السجن فتيان} [يوسف: 36]، وفي سورة (الصافات) في قوله: {فلما بلغ معه السعي} [الصافات: 102] فعلى هذا فالمراد أسلمت بالموافقة، أو بأن لقنها /12 وجيز.