الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{قِيلَ لَهَا ٱدۡخُلِي ٱلصَّرۡحَۖ فَلَمَّا رَأَتۡهُ حَسِبَتۡهُ لُجَّةٗ وَكَشَفَتۡ عَن سَاقَيۡهَاۚ قَالَ إِنَّهُۥ صَرۡحٞ مُّمَرَّدٞ مِّن قَوَارِيرَۗ قَالَتۡ رَبِّ إِنِّي ظَلَمۡتُ نَفۡسِي وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَيۡمَٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (44)

ثم قال تعالى{[52612]} : { قيل لها ادخلي الصرح }[ 45 ] ، قال وهب بن منبه{[52613]} : أمر سليمان بالصرح فعملته له الشياطين من زجاج كأنه الماء بياضا ، ثم أرسل الماء تحته ، ثم وضع له فيه سريره فجلس عليه{[52614]} وعطفت{[52615]} عليه الطير ، والجن والإنس .

وقيل : إنه ألقى{[52616]} في الماء الحوت ، فنظرت إلى ماء فيه حوت على ظهره سرير ، ولم تر الزجاج لصفائه ، فرفعت ثيابها ، وكشفت عن ساقيها لتخوض الماء إلى سليمان .

فقيل : { إنه صرح ممرد من قوارير }[ 45 ] ، أي من زجاج ، والممرد{[52617]} : الأملس ، ومنه الأمرد .

وقيل{[52618]} : إنما فعل ذلك ليختبر عقلها بذلك على نحو ما اختبرته يعني{[52619]} في توجيهها إليه الوصائف والوصفاء{[52620]} ، ليميز بين الذكور والإناث يعاتبها{[52621]} بذلك .

فقال لها : ادخلي الصرح ليريها ملكا أعز من ملكها ، وسلطانا{[52622]} أعظم من سلطانها{[52623]} . { فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها }[ 45 ] ، لا تشك أنه{[52624]} ماء تخوضه ، فقيل لها : { إنه صرح ممرد من قوارير }[ 45 ] ، فلما وقفت على سليمان دعاها إلى عبادة الله وعابها{[52625]} في عبادة الشمس من دون الله ، فقالت بقول{[52626]} الزنادقة ، فوقع سليمان ساجدا إعظاما لما قالت ، وسجد معه الناس ، وسقط{[52627]} في يديها حين رأت سليمان صنع ما صنع ، فلما رفع رأسه قال : ويحك ما قلت ؟ فأنسيت ما قالت ، فقالت : { رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين }[ 46 ] ، فحسن إسلامها{[52628]} .

وقيل{[52629]} : إن سليمان إنما أمر ببناء الصرح ، لأن الجن خافت{[52630]} سليمان أن يتزوجها ، فأرادوا أن يزهدوه فيها فقالوا : إن رجلها رجل حمار ، وإن أمها كانت من الجن . فأراد سليمان أن يعلم حقيقة ما أخبرته الجن به . قاله محمد بن كعب القرظي .

وقال : إن{[52631]} سليمان لما عمل له{[52632]} الصرح{[52633]} سخر{[52634]} فيه دواب البحر : الحيتان{[52635]} والضفادع ، فلما نظرت إلى الصرح{[52636]} ، قالت : ما وجد ابن{[52637]} داود عذابا يقتلني به إلا الغرق . فحسبته لجة وكشفت عن ساقيها ، فإذا{[52638]} هي أحسن الناس ساقا وقدما . قال : فضن{[52639]} سليمان بساقيها عن الموسى ، فأحدثت النورة لذلك السبب لسليمان{[52640]} .

قال مجاهد{[52641]} : والصرح{[52642]} : بركة{[52643]} من ماء ضرب عليها سليمان قوارير ألبسها{[52644]} إياه .

قال{[52645]} : وكانت بلقيس هلباء{[52646]} شعراء قدمها كحافر حمار وأمها جنية{[52647]} .

وعن ابن عباس قال : سمعت الجن بشأن{[52648]} بلقيس فوقعوا فيها{[52649]} عند سليمان ليكرهوها إليه ، وخافوا أن يتزوجها ، فتظهره على أمورهم ، وكانت تعلم ذلك لأن أحد / أبويها كان جنيا . فقالوا : أصلح{[52650]} الله الملك إن في عقلها شيئا ، ورجلها كحافر حمار ، فلما قالوا له{[52651]} ذلك ، أراد أن يرى عقلها ، ويرى قدميها ، فأمر بالصرح وأجرى{[52652]} تحته الماء وجعل فيه{[52653]} الضفادع والسمك ، وأمر بعرشها فزيد فيه ونقص منه ، فلما نظرت إليه جعلت تعرف وتنكر ، وقالت في نفسها : من أين تخلص{[52654]} إلى عرشي ، وهو تحت سبعة أبواب والحرس حوله{[52655]} ؟ فلم تعرف ولم تنكر وقالت { كأنه هو } فقيل لها{[52656]} { ادخلي الصرح }[ 45 ] ، إلى القصر فظنته{[52657]} ماء ، وكشفت عن ساقيها لتخوض الماء إلى سليمان{[52658]} ، فرأى سليمان أحسن ساق{[52659]} بخلاف ما قيل له فيها .

روى أبو هريرة{[52660]} عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال{[52661]} : كان أحد أبوي صاحبة{[52662]} سبأ جنيا .

ومعنى : {[52663]} { حسبته لجة }[ 45 ] ، أي لما رأت الماء تحت الزجاج الأبيض ، ودواب الماء تحته{[52664]} ، ظنته{[52665]} لجة بحر وكشفت{[52666]} عن ساقيها لتخوض إلى سليمان{[52667]} .

قال مجاهد : لما كشفت عن ساقيها ، فإذا هما شعروان فقال سليمان : ألا شيء{[52668]} من يذهب هذا ؟ قالوا : الموسى{[52669]} ، قال الموسى{[52670]} له أثر ، فأمر بالنورة{[52671]} ، فصنعت{[52672]} ، فكان أول من صنع النورة .

وقيل{[52673]} : إنه{[52674]} لما تزوجها قالت له : إني لم يمسني حديد قط ، فعملت النورة . ومعنى : " ممرد " أي مشيد{[52675]} .

{ من قوارير }[ 45 ] ، أي من زجاج .

وقيل{[52676]} : الصرح : القصر .

وقيل الصحن : هو{[52677]} ساحة الدار .

وأصل الممرد : الأملس . ومنه : الأمرد ، ومنه{[52678]} قولهم{[52679]} : شجرة مرداء : إذا سقط عنها{[52680]} ورقها .

وقيل : الممرد : الطويل . ومنه قيل لبعض الحصون{[52681]} : مارد{[52682]} .


[52612]:"تعالى" سقطت من ز.
[52613]:انظر: ابن جرير19/168، ابن كثير 5/238.
[52614]:"عليه" سقطت من ز.
[52615]:ز: وعكفت، ع: وعطفت، وهو تحريف.
[52616]:ز: ألقي.
[52617]:انظر: اللسان 3/401 مادة: مرد.
[52618]:ابن جرير19/168.
[52619]:"يعني" سقطت من ز.
[52620]:ز: الوصفاء والوصائف.
[52621]:ز: فعاتبها.
[52622]:ز: وسلطان.
[52623]:قال ابن كثير: "والأقرب في مثل هذه السياقات أنها متلقاة عن أهل الكتاب، مما وجد في صحفهم، كروايات كعب، ووهب سامحهما الله تعالى فيما نقلاه إلى هذه الأمة من أخبار بني إسرائيل من الأوابد، والغرائب، والعجائب، مما كان وما لم يكن، ومما حرف وبدل ونسخ، وقد أغنانا الله سبحانه عن ذلك، بما هو أصح منه وأنفع وأوضح وأبلغ ولله الحمد والمنة. انظر: 5/240.
[52624]:ز: أنها، وهو تحريف.
[52625]:ز: وعاتبها.
[52626]:ز: يقول، وهو تحريف.
[52627]:ز: "وسقطت"، وهو تحريف.
[52628]:ابن جرير19/168، ابن كثير 5/238.
[52629]:ابن جرير19/168 وهي مجهولة القائل في ابن جرير.
[52630]:ز: مخافة.
[52631]:"إن" سقطت من ز.
[52632]:"له" سقطت من ز.
[52633]:بعده في ز: الممرد.
[52634]:"سخر" سقطت من ز. وفي ابن جرير "سجن" انظر: 19/169.
[52635]:ز: والحيتان.
[52636]:"إلى الصرح" سقطت من ز.
[52637]:ز: ابن.
[52638]:من "فإذا هي....عن الموسى" ساقط من ز.
[52639]:الضنة والضن، والمضنة: كل ذلك من الإمساك والبخل، انظر: لسان 13/261: ضنن.
[52640]:ابن جرير 19/169.
[52641]:ابن جرير19/169.
[52642]:انظر: مختار الصحاح ص151 مادة صرح.
[52643]:ز: بركة.
[52644]:ز: قوارير ألبسها.
[52645]:"قال" سقطت من ز.
[52646]:والهلب: كثرة الشعر، رجل أهلب، وامرأة هلباء، انظر: اللسان 1/786 مادة هلب.
[52647]:ابن جرير19/169.
[52648]:ز: شأن.
[52649]:ز: فيما.
[52650]:ز: صلح.
[52651]:"له" سقطت من ز.
[52652]:ز: وأجري.
[52653]:ز: فيها.
[52654]:ز: يخلص.
[52655]:ز: والجن من حوله.
[52656]:"لها" سقطت من ز.
[52657]:ز: فظنت.
[52658]:"إلى سليمان" سقطت من ز.
[52659]:ز: ساقا.
[52660]:بعده في ز: رضي الله عنه.
[52661]:ابن جرير 19/169.
[52662]:ز: صبة.
[52663]:"ودواب الماء تحته" سقط من ز.
[52664]:ز: ظنت.
[52665]:ز: فكشفت.
[52666]:"لتخوض إلى سليمان" سقطت من ز.
[52667]:من "قال...عن ساقيها" سقط من ز.
[52668]:ع: الأشياء تذهب، وهو تحريف عما أثبته.
[52669]:ز: لموس.
[52670]:ز: الموس.
[52671]:النورة من الحجر الذي يحرق ويسوي به الكلس ويحلق به شعر العانة. لسان "نور".
[52672]:ابن جرير19/169، ابن كثير 5/240-241، الدر 19/363.
[52673]:القائل هو: عكرمة وأبو صالح، انظر: ابن جرير19/169-170.
[52674]:ز: إنها.
[52675]:ز: مشيدا.
[52676]:انظر: ابن كثير 5/240.
[52677]:ز: وهو.
[52678]:"ومنه" سقطت من ز.
[52679]:ز: وقولهم.
[52680]:ز: منها.
[52681]:ز: الحضور.
[52682]:ز: ماردة.