ثم قال تعالى{[52612]} : { قيل لها ادخلي الصرح }[ 45 ] ، قال وهب بن منبه{[52613]} : أمر سليمان بالصرح فعملته له الشياطين من زجاج كأنه الماء بياضا ، ثم أرسل الماء تحته ، ثم وضع له فيه سريره فجلس عليه{[52614]} وعطفت{[52615]} عليه الطير ، والجن والإنس .
وقيل : إنه ألقى{[52616]} في الماء الحوت ، فنظرت إلى ماء فيه حوت على ظهره سرير ، ولم تر الزجاج لصفائه ، فرفعت ثيابها ، وكشفت عن ساقيها لتخوض الماء إلى سليمان .
فقيل : { إنه صرح ممرد من قوارير }[ 45 ] ، أي من زجاج ، والممرد{[52617]} : الأملس ، ومنه الأمرد .
وقيل{[52618]} : إنما فعل ذلك ليختبر عقلها بذلك على نحو ما اختبرته يعني{[52619]} في توجيهها إليه الوصائف والوصفاء{[52620]} ، ليميز بين الذكور والإناث يعاتبها{[52621]} بذلك .
فقال لها : ادخلي الصرح ليريها ملكا أعز من ملكها ، وسلطانا{[52622]} أعظم من سلطانها{[52623]} . { فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها }[ 45 ] ، لا تشك أنه{[52624]} ماء تخوضه ، فقيل لها : { إنه صرح ممرد من قوارير }[ 45 ] ، فلما وقفت على سليمان دعاها إلى عبادة الله وعابها{[52625]} في عبادة الشمس من دون الله ، فقالت بقول{[52626]} الزنادقة ، فوقع سليمان ساجدا إعظاما لما قالت ، وسجد معه الناس ، وسقط{[52627]} في يديها حين رأت سليمان صنع ما صنع ، فلما رفع رأسه قال : ويحك ما قلت ؟ فأنسيت ما قالت ، فقالت : { رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين }[ 46 ] ، فحسن إسلامها{[52628]} .
وقيل{[52629]} : إن سليمان إنما أمر ببناء الصرح ، لأن الجن خافت{[52630]} سليمان أن يتزوجها ، فأرادوا أن يزهدوه فيها فقالوا : إن رجلها رجل حمار ، وإن أمها كانت من الجن . فأراد سليمان أن يعلم حقيقة ما أخبرته الجن به . قاله محمد بن كعب القرظي .
وقال : إن{[52631]} سليمان لما عمل له{[52632]} الصرح{[52633]} سخر{[52634]} فيه دواب البحر : الحيتان{[52635]} والضفادع ، فلما نظرت إلى الصرح{[52636]} ، قالت : ما وجد ابن{[52637]} داود عذابا يقتلني به إلا الغرق . فحسبته لجة وكشفت عن ساقيها ، فإذا{[52638]} هي أحسن الناس ساقا وقدما . قال : فضن{[52639]} سليمان بساقيها عن الموسى ، فأحدثت النورة لذلك السبب لسليمان{[52640]} .
قال مجاهد{[52641]} : والصرح{[52642]} : بركة{[52643]} من ماء ضرب عليها سليمان قوارير ألبسها{[52644]} إياه .
قال{[52645]} : وكانت بلقيس هلباء{[52646]} شعراء قدمها كحافر حمار وأمها جنية{[52647]} .
وعن ابن عباس قال : سمعت الجن بشأن{[52648]} بلقيس فوقعوا فيها{[52649]} عند سليمان ليكرهوها إليه ، وخافوا أن يتزوجها ، فتظهره على أمورهم ، وكانت تعلم ذلك لأن أحد / أبويها كان جنيا . فقالوا : أصلح{[52650]} الله الملك إن في عقلها شيئا ، ورجلها كحافر حمار ، فلما قالوا له{[52651]} ذلك ، أراد أن يرى عقلها ، ويرى قدميها ، فأمر بالصرح وأجرى{[52652]} تحته الماء وجعل فيه{[52653]} الضفادع والسمك ، وأمر بعرشها فزيد فيه ونقص منه ، فلما نظرت إليه جعلت تعرف وتنكر ، وقالت في نفسها : من أين تخلص{[52654]} إلى عرشي ، وهو تحت سبعة أبواب والحرس حوله{[52655]} ؟ فلم تعرف ولم تنكر وقالت { كأنه هو } فقيل لها{[52656]} { ادخلي الصرح }[ 45 ] ، إلى القصر فظنته{[52657]} ماء ، وكشفت عن ساقيها لتخوض الماء إلى سليمان{[52658]} ، فرأى سليمان أحسن ساق{[52659]} بخلاف ما قيل له فيها .
روى أبو هريرة{[52660]} عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال{[52661]} : كان أحد أبوي صاحبة{[52662]} سبأ جنيا .
ومعنى : {[52663]} { حسبته لجة }[ 45 ] ، أي لما رأت الماء تحت الزجاج الأبيض ، ودواب الماء تحته{[52664]} ، ظنته{[52665]} لجة بحر وكشفت{[52666]} عن ساقيها لتخوض إلى سليمان{[52667]} .
قال مجاهد : لما كشفت عن ساقيها ، فإذا هما شعروان فقال سليمان : ألا شيء{[52668]} من يذهب هذا ؟ قالوا : الموسى{[52669]} ، قال الموسى{[52670]} له أثر ، فأمر بالنورة{[52671]} ، فصنعت{[52672]} ، فكان أول من صنع النورة .
وقيل{[52673]} : إنه{[52674]} لما تزوجها قالت له : إني لم يمسني حديد قط ، فعملت النورة . ومعنى : " ممرد " أي مشيد{[52675]} .
{ من قوارير }[ 45 ] ، أي من زجاج .
وقيل{[52676]} : الصرح : القصر .
وقيل الصحن : هو{[52677]} ساحة الدار .
وأصل الممرد : الأملس . ومنه : الأمرد ، ومنه{[52678]} قولهم{[52679]} : شجرة مرداء : إذا سقط عنها{[52680]} ورقها .
وقيل : الممرد : الطويل . ومنه قيل لبعض الحصون{[52681]} : مارد{[52682]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.