{ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ } الآية . وذلك أنَّ سليمان ( عليه السلام ) لما اقبلت بلقيس تريدهُ أمَرَ الشياطين فبنوا له صرحاً أي قصراً من زجاج كأنّه الماء بياضاً ، وقيل : الصرح صحن الدار ، وأجرى من تحته الماء وألقى فيه كل شيء من دواب البحر ، السمك وغيره ، ثمَّ وضع له سريرهُ في صدرها فجلس عليه وحلقت عليه الطير والجن والإنس وإنّما أمر ببناء هذا الصرح لأنَّ الشياطين قال بعضهم لبعض : سخّر الله لسليمان عليه السلام ما سخّر وبلقيس ملكة سبأ ينكحها فتلد له غلاماً فلا ننفك من العبودية أبداً ، فأرادوا أن يزهّدوه فيها فقالوا : إنَّ رِجلها رِجل حمار وإنها شَعْراء الساقين لأنّ أُمّها كانت من الجن فأرادَ أن يعلم حقيقة ذلك وينظر الى قدميها وساقيها .
وروى محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم عن وهب بن منبّه قال : إنّما بنى الصرح ليختبر عقلها وفهمها ، يعاينها بذلك كما فعلت هي من توجيهها إليه الوصفاء والوصائف ليمّيز بين الذكور والإناث ، تعاينه بذلك ، فلمّا جاءت بلقيس قيل لها : ادخلي الصرح { فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً } وهي معظم الماء وقال ابن جريج : يعني بحراً .
{ وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا } لتخوضه الى سليمان عليه السلام ، فنظر سليمان فإذا هي أحسن الناس ساقاً وقدماً إلاّ أنّها كانت شعْراء الساقين ، فلمّا رأى سليمان ذلك صرف بصره عنها وناداها { إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ } مملّس مستو { مِّن قَوارِيرَ } وليس ببحر ، فلمّا جلست قالت : يا سليمان إنّي أُريد أن أسألك عن شيء .
قالت : أخبرني عن ما ماء رُواء ولا من أرض ولا من سماء . وكان سليمان إذا جاءه شيء لا يعلمه سأل الإنس عنه ، فإن كان عندهم علم ذلك وإلاّ سأل الجن ، فإن علموا وإلاّ سأل الشياطين ، فسأل الشياطين عن ذلك فقالوا له : ما أهون هذا من الخيل فلْتجرِ ثم املأ الآنية من عَرَقها .
فقال لها سليمان : عرق الخيل ، قالت : صدقت ، ثم قالت : أخبرني عن لون الربّ ، فوثب سليمان عليه السلام عن سريره وخرَّ ساجداً وصعق عليه فقامت عنه وتفرّقت جنودُه وجاءهُ الرسول فقال : يا سليمان يقول لك ربك : ما شأنك ؟
قال : يا رب أنت أعلم بما قالت ، قال : فإن الله يأمرك أن تعود ألى سريرك وترسل إليها وإلى مَن حضرها من جنودك وجنودها فتسألها وتسألهم عمّا سألتك عنه ، ففعل ذلك سليمان ( عليه السلام ) ، فلمّا دخلوا عليه قال لها : عمّاذا سألتِني ؟
قالت : سألتك عن ماء رواء ليس من أرض ولا سماء فأجبتَ .
قال : وعن أيّ شيء سألتِني أيضاً ؟
قالت : ما سألتك عن شيء إلاّ هذا فاسأل الجنود فقالوا مثل قولها ، أنساهم الله تعالى ذلك وكفى سليمان ( عليه السلام ) الجواب ، ثمَّ إن سليمان دَعَاها الى الإسلام وكانت قد رأت حال العرش والصرح فأجابت وقالت { رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي } بالكفر { وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } فحسن إسلامها .
واختلف العلماء في أمرها بعد إسلامها فقال أكثرهم : لمّا أسلمت أراد سليمان أن يتزوجها ، فلمّا همَّ بذلك كره ما رأى من كثرة شعر ساقيها وقال : ما أقبح هذا فسأل الإنس : ما يذهب هذا ؟
قالوا : الموسى فقالت المرأة : لم تمسّني حديدة قطّ ، فكره سليمان الموسى وقال : إنّها تقطع ساقيها ، فسأل الجن فقالوا : لا ندري ، ثمَّ سأل الشياطين فتلكأوا ثمّ قالوا : انّا نحتال لك حتى تكون كالفضة البيضاء فاتخذوا لها النورة والحمّام .
قال ابن عباس : فإنّه لأول يوم رؤيت فيه النورة واستنكحها سليمان عليه السلام .
أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا محمد بن أحمد بن نصرويه قال : حدّثنا محمد بن عمران ابن هارون قال : حدّثنا محمد بن ميمون المكي قال : حدّثني أبو هارون العطار عن أبي حفص الأبّار عن إسماعيل بن أبي بردة عن أبي موسى يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أول من اتخذ الحمامات سليمان بن داود عليه السلام ، فلمّا ألزق ظهره إلى الجدر فمسّهُ حرّها قال : آوه مِن عذاب الله " .
قالوا : فلما تزوّجها سليمان أحبّها حبّاً شديداً وأقرّها على ملكها وأمر الجن فابتنوا لها بأرض اليمن ثلاثة حصون لم ير الناس مثلها ارتفاعاً وحسناً وهي : سلحون وسون وعمدان ، ثم كان سليمان عليه السلام يزورها في كل شهر مرَّة بعد أن ردها الى ملكها ، ويقيم عندها ثلاثة أيّام يبتكر من الشام الى اليمن ومن اليمن الى الشام ، وولدت له فيما ذكر .
وروى ابن أبي إسحاق عن بعض أهل العلم عن وهب قال : زعموا أنّ سليمان بن داود عليه السلام قال لبلقيس لمّا أسلمت وفرغ من امرها : اختاري رجلاً من قومك أُزّوجكه .
قالت : ومثلي يا نبي الله ينكح الرجال وقد كان لي في قومي من الملك والسلطان ما كان .
قال : نعم إنّه لا يكون في الإسلام إلاّ ذلك ولا ينبغي لكِ أنْ تحرّمي ما أحل الله لكِ .
فقالت : زوّجني إنْ كان لابدّ من ذلك ذا تبّع ملك همذان فزّوجه إيّاها ثم ردّها الى اليمن وسلّط زوجها ذا تبّع على اليمن ، ودعا زوبعة أمير جن اليمن فقال : اعمل لذي تبّع ما استعملك فيه .
قال : فصنع لذي تبع الصنائع باليمن ثم لم يزل بها يعمل له فيها ما أراد حتى مات سليمان ابن داود ( عليه السلام ) ، فلمّا أنْ حال الحول وتبيّنت الجن موت سليمان ( عليه السلام ) أقبل رَجُلٌ منهم فسلك تهامة حتى إذا كان في جوف اليمن صرخ بأعلى صوته : يا معشر الجن إنَّ الملك سليمان قد مات فارفعوا أيديكم قال : فعمدت الشياطين الى حجرين عظيمين فكتبوا فيها كتاباً بالمسند نحن بنينا سلحين دائبين ( سبعة وسبعين خريفاً ) ، وبنينا صرواح ومرواح ( وبنيون وحاضة وهند وهنيدة ، وسبعة أمجلة بقاعة ، وتلثوم بريدة ، ولولا صارخ بتهامة لتركنا بالبون إمارة ، وقال وسلحين وصرواح ومرواح وبينون وهند وهنيدة وتلثوم حصون كانت باليمن عملتها الشياطين لذي تبع ) ، ثم رفعوا أيديهم وانطلقوا وتفرّقوا وانقضى ملك ذي تبّع وملك بلقيس مع ملك سليمان ( عليه السلام ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.