الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{قِيلَ لَهَا ٱدۡخُلِي ٱلصَّرۡحَۖ فَلَمَّا رَأَتۡهُ حَسِبَتۡهُ لُجَّةٗ وَكَشَفَتۡ عَن سَاقَيۡهَاۚ قَالَ إِنَّهُۥ صَرۡحٞ مُّمَرَّدٞ مِّن قَوَارِيرَۗ قَالَتۡ رَبِّ إِنِّي ظَلَمۡتُ نَفۡسِي وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَيۡمَٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (44)

ثم وضع سليمانُ في وسطِ الصَّرْحِ كرسيّاً ، فلما وصلته بلقيس قيل لها : ادخلي إلى النبي عليه السلام ، فلما رأتِ الصَّرْحَ حَسِبتَهُ لُجَّةً وهُو مُعْظَمُ المَاءِ ، فَفَزِعَتْ وَظَنَّتِ أنها قُصِدَ بها الغَرَقُ ، وَتَعَجَّبَتْ مِن كَوْنِ كرسِيِّه على الماءِ ، ورأت مَا هَالَهَا ، ولَمْ يكنْ لَها بُدَّ مِن امْتِثَالِ الأمرِ ، فكَشَفَتْ عن ساقَيها ، فرأى سليمانَ ساقَيْها سليمةً مِمَّا قالتِ الجنُّ غَيْرَ أَنَّها كثيرةُ الشَّعْرِ ، فلما بلغتْ هذا الحد قالَ لها سليمانُ عليه السلام : { إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ } [ النمل : 44 ] .

والممرد : المحكوكُ الْمُمَلَّسُ ومنه الأمرد ، فعند ذلك قالت : { رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ العالمين } فرُوِيَ أن سليمانَ عليه السلام تَزَوَّجَهَا عند ذلك ، وأسكنها الشام قاله الضحاك . وقيل : تزوجَها وردَّها إلى ملكها باليمنِ وكان يأتيها على الريح كلَّ شَهْرٍ مَرَّةً ، فوَلَدَتْ له غلاماً سمَّاه داودَ مات في حياته . ورُوِيَ أن سليمانَ لما أراد زوالَ شَعْرِ ساقَيْهَا أمر الجنَّ بالتَّلَطُّفِ في زوالِه ، فصنَعوا النُّورَةَ ولم تَكُنْ قَبْلٌ وصنعوا الحمَّام .