تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱذۡكُرۡ نِعۡمَتِي عَلَيۡكَ وَعَلَىٰ وَٰلِدَتِكَ إِذۡ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلۡمَهۡدِ وَكَهۡلٗاۖ وَإِذۡ عَلَّمۡتُكَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَۖ وَإِذۡ تَخۡلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيۡـَٔةِ ٱلطَّيۡرِ بِإِذۡنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيۡرَۢا بِإِذۡنِيۖ وَتُبۡرِئُ ٱلۡأَكۡمَهَ وَٱلۡأَبۡرَصَ بِإِذۡنِيۖ وَإِذۡ تُخۡرِجُ ٱلۡمَوۡتَىٰ بِإِذۡنِيۖ وَإِذۡ كَفَفۡتُ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ عَنكَ إِذۡ جِئۡتَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (110)

المفردات :

بروح القدس : هو ملك الوحي ، جبريل عليه السلام .

الكتاب : الكتب السماوية ، أو الكتابة .

والحكمة : العلم الصحيح الذي يبعث الإنسان على إصابة الحق ؛ في الرأي والقول والعمل .

والتوراة : الكتاب الذي أنزله الله على موسى ، أساسا لشريعته . وينطبق عليه ما انطبق على التوراة في التسمية .

تخلق : تصور .

الأكمه : من ولد أعمى .

والأبرص : المريض ببياض الجلد . والبرص : مرض جلدي يغير لون البشرة إلى البياض .

سحر مبين : السحر ؛ تمويه وتخييل . به يرى الإنسان الشيء على غير حقيقته .

110- إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك إذ أيدتك بروح القدس . . . الآية .

يستمر هذا الدرس في بيان حقيقة الألوهية ، ويستعرض ذلك في مشهد من مشاهد القيامة ويذكر عيسى هنا حيث أن الناس قد أسرفوا في القول حوله .

قال صاحب الظلال :

يلتفت الخطاب إلى عيسى ابن مريم على الملإ ممن ألهوه وعبدوه وصاغوا حوله وحول أمه مريم التهاويل يلتفت إليه يذكره نعمة الله عليه ، وعلى والدته ، ويستعرض المعجزات التي آتاه الله إياها ، ليصدق الناس برسالته ( 38 ) .

وقال ابن كثير قوله : اذكر نعمتي عليك . أي في خلقي إياك من أم بلا ذكر ، وجعلي إياك آية ودلالة قاطعة على كمال قدرتي . وعلى والدتك . حيث جعلتك لها برهانا على براءتها مما نسبه الظالمون والجاهلون إليها من الفاحشة . إذ أيدتك بروح القدس . وهو جبريل ، وجعلتك نبيا داعيا إلى الله في صغرك ، وكبرك ، فأنطقتك في المهد صغيرا فشهدت ببراءة أمك من كل عيب واعترفت لي بالعبودية .

تكلم الناس في المهد و كهلا . أي تدعو إلى الله الناس في صغرك وكبرك ، وضمن تكلم معنى تدعو ، لأن كلامه الناس في كهولته ليس بأمر عجيب ( 39 ) .

وروح القدس جبريل عليه السلام يؤيده في المهد بالنطق السليم ويؤيده في الكهولة بالتثبيت .

وقيل المراد بروح القدس روح عيسى حيث أيده سبحانه بطبيعة روحانية مطهرة في وقت سادت فيه المادية وسيطرت .

وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل .

يبين الحق سبحانه عددا من النعم على عيسى فقد جاء إلى الأرض لا يعلم شيئا فعلمه الكتابة ، أي أن عيسى لم يكن أميا ، بل كان قارئا وكاتبا ، وقيل المراد به ما سبقه من كتب النبيين كزبور داود وصحف إبراهيم ، أي جنس الكتاب فيشمل الكتب السابقة لأنها جميعا متفقة في أصول الشريعة .

وعلمتك . الحكمة . أي سداد الرأي ، وإصابة الحق ، وفهم أسرار العلوم .

والتوراة . التي أنزلتها على موسى .

والإنجيل . الذي أنزلته عليك لتكتمل بهما رسالتك .

وخصصهما بالذكر ، لأنهما أهم الكتب التي أنزلها الله على أنبياء بني إسرائيل ، ومنهما تؤخذ شريعة عيسى . وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني .

وهذه معجزة خارقة للعادة لا يقدر عليها بشر إلا بإذن الله فكان عيسى عليه السلام يصور من الطين مثل صورة الطير بأمر الله وتيسيره ، ثم ينفخ في هذه الصورة فتكون طيرا حقيقيا بتيسير الله . ليكون ذلك آية تدل على صدقه .

وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني .

وتذكر يا عيسى نعمتي عليك ، حين تبرئ الأكمه – وهو من ولد أعمى – فتمنحه الإبصار بإذن الله وتيسيره .

وتبرئ ( الأبرص ) وهو المريض بهذا المرض العضال . بإذني . وإذ تخرج الموتى بإذني .

واذكر وقت أن جعلت من معجزاتك أن تخرج الموتى من القبور أحياء ينطقون ويتحركون . . وكل ذلك بإذني ومشيئتي وإرادتي وقد ذكر المفسرون أن إبراء عيسى للأكمه والأبرص وإحياء الموتى كان عن طريق الدعاء ، وكان دعاؤه : يا حي يا قيوم ، وذكروا من بين من أحياهم سام بن نوح ( 40 ) .

وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين .

من الله على عيسى بالعديد من النعم ، وهنا ذكره بنعمته وقت أن صرف عنه أذى اليهود حين جاءهم بالمعجزات الواضحات سواء ما ذكر منها هنا ، أم في موضع آخر ، كإخبارهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم ، فقال الكافرون منهم ، ما هذا الذي جئت به إلا سحر بين واضح .