بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱذۡكُرۡ نِعۡمَتِي عَلَيۡكَ وَعَلَىٰ وَٰلِدَتِكَ إِذۡ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلۡمَهۡدِ وَكَهۡلٗاۖ وَإِذۡ عَلَّمۡتُكَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَۖ وَإِذۡ تَخۡلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيۡـَٔةِ ٱلطَّيۡرِ بِإِذۡنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيۡرَۢا بِإِذۡنِيۖ وَتُبۡرِئُ ٱلۡأَكۡمَهَ وَٱلۡأَبۡرَصَ بِإِذۡنِيۖ وَإِذۡ تُخۡرِجُ ٱلۡمَوۡتَىٰ بِإِذۡنِيۖ وَإِذۡ كَفَفۡتُ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ عَنكَ إِذۡ جِئۡتَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (110)

قوله تعالى :

{ إِذْ قَالَ الله يا عيسى ابن مَرْيَمَ اذكر نِعْمَتِي عَلَيْكَ }

بالنبوة وهذا في الآخرة { وعلى والدتك } ثم بيّن النعمة التي أنعم الله عليه في الدنيا قال : { إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ القدس } يعني : أعنتُك بجبريل عليه السلام ، و { تُكَلّمُ الناس فِي المهد وَكَهْلاً } يعني : بعد ثلاثين سنة حين أوحى الله إليه ، قال الكلبي : فمكث في رسالته ثلاثين شهراً ، ثم رفعه الله ، ويقال : أوحي إليه وهو ابن ثلاثين سنة ومكث في الرسالة ثلاث سنين ، ورفع وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة .

قال : { وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الكتاب والحكمة } يعني : الخط بالقلم { والحكمة } يعني : الفقه والفهم { والتوراة والإنجيل وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطين كَهَيْئَةِ الطير بِإِذْني فَتَنفُخُ فِيهَا } وقال في موضع آخر : { وَرَسُولاً إلى بني إسرائيل أَني قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أنى أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ الطين كَهَيْئَةِ الطير فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بِإِذْنِ الله وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ في بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلك لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [ عمران : 49 ] بلفظ التذكير ، لأنه انصرف إلى الطير . وقال ها هنا { فَتَنفُخُ فِيهَا } بلفظ التأنيث ، لأنه انصرف إلى الهيئة المتخذة . ويقال : { فيها } يعني في الطين { فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي } . قرأ نافع : { طائراً } بالألف . وقرأ الباقون : { عَلَيْهِمْ طَيْراً } .

{ وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وَإِذْ تُخْرِجُ الموتى بإذني }

يعني : تحيي الموتي بإذني . يعني : أحييته بدعائك . وروي عن وهب بن منبه أنه قال : التقى عيسى ابن مريم عليه السلام وإبليس على عقبة من عقبات بيت المقدس . فقال له إبليس : أنت الذي بلغ من عظم ربوبيتك ، أنك تكلم الناس في المهد صبياً ، وأنك أحييت الموتى ، وتبرئ الأكمه والأبرص . فقال عيسى عليه السلام : بل العظيم الذي بإذنه أحييت الموتى ، وهو الذي أنطقني . فقال إبليس : أنت إله الأرض . فقال عيسى عليه السلام : بل إله الأرض والسماء واحد . فكان في ذلك حتى جاءه جبريل وضربه بجناحه وألقاه في لجج البحار .

ثم قال : { وَإِذْ كَفَفْتُ بني إسرائيل عَنكَ } إذ هموا بقتلك { إِذْ جِئْتَهُمْ بالبينات } يعني : بالعلامات والعجائب { فَقَالَ الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } يعني : سحر ظاهر . قرأ حمزة والكسائي : { ساحر } بالألف . وقرأ الباقون : { سحر } بغير ألف . فمن قرأ بالألف يعني : هذا رجل ساحر . ومن قرأ بغير ألف يعني : هذا الفعل سحر . والاختلاف في أربع مواضع : هاهنا ، وفي سورة يونس ، وفي سورة هود ، وفي سورة الصف . قرأ حمزة والكسائي في هذا كله : بالألف . وقرأ أبو عمرو ونافع وابن عامر في هذا كله : بغير ألف . وقرأ عاصم وابن كثير : بغير ألف إلا في سورة يونس .