تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱذۡكُرۡ نِعۡمَتِي عَلَيۡكَ وَعَلَىٰ وَٰلِدَتِكَ إِذۡ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلۡمَهۡدِ وَكَهۡلٗاۖ وَإِذۡ عَلَّمۡتُكَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَۖ وَإِذۡ تَخۡلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيۡـَٔةِ ٱلطَّيۡرِ بِإِذۡنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيۡرَۢا بِإِذۡنِيۖ وَتُبۡرِئُ ٱلۡأَكۡمَهَ وَٱلۡأَبۡرَصَ بِإِذۡنِيۖ وَإِذۡ تُخۡرِجُ ٱلۡمَوۡتَىٰ بِإِذۡنِيۖ وَإِذۡ كَفَفۡتُ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ عَنكَ إِذۡ جِئۡتَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (110)

وقوله تعالى : ( إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ )

أما نعمه عليه فما[ في الأصل وم : ما ] ذكر على إثره ( إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً ) . وقوله[ في الأصل وم : إلى قوله ] : ( إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا ) ( وجعلني مباركا أين ما كنت )الآية[ مريم : 30و31 ] شهد في حال طفولته بوحدانية الله تعالى وربوبيته وإخلاص عبوديته له ، وذلك من أعظم نعم الله عليه وأجل مننه . وما ذكره أيضا : ( إذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله )الآية إلى آخر ما ذكر من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وكف[ من م ، في الأصل : وكيف ] بني إسرائيل عنه عند مجيء الآيات ، وهو كقوله تعالى : ( والله يعصمك من الناس )[ الآية : 67 ] ؛ ففيه أعظم النعم عليه . وما ذكر أيضا في بعض القصة ، إن ثبتت ، أن عيسى لما دفع [ المعلم إليه الكتاب جعل ][ في الأصل وم : إلى الكتاب جعل له المعلم ] يقول له : بسم ، فيقول هو : بسم الله ، [ فإذا قال ][ من م ، في الأصل : وإن ] المعلم : بسم الله فيقول هو : الرحمن ، وإذ قال : الرحمن فيقول هو : الرحيم ، فيقول المعلم : كيف أعلم من هو [ أعلم ][ من م ، ساقطة من الأصل ] مني . ونحو هذا كثير مما يكثر ، ويطول ذكره[ في الأصل وم : ذكرها ] .

وأما ما أنعم الله على والدته فهو[ في الأصل وم : هو ] ما ذكر في قوله تعالى : ( فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا ) الآية[ آل عمران : 37 ] وما ذكر في قوله تعالى : ( يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين )[ آل عمران : 42 ] طهرها من[ في الأصل وم : عن ] جميع ما ابتلى به بنات آدم ؛ فذلك من أعظم النعم وأجل المنن .

ثم أمر عيسى بشكر ما أنعم عليه وعلى والدته حين[ في الأصل وم : حيث ] قال : ( اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك ) وفي ذكر النعم شكرها . وأمر أيضا بشكر ما أنعم على والدته ليعلم أن على المرء شكر ما أنعم على والدته كما يلزم شكر ما أنعم على نفسه .

وقوله تعالى : ( إذ أيدتك بروح القدس ) اختلف فيه : قال بعضهم : بروحه المبارك الذي به كان يحيي الموتى ، ويبرئ الأكمه والأبرص بدعائه . وقال أهل التأويل : الروح جبريل ، والقدس هو الله كقوله تعالى : ( نزل به الروح الأمين )[ الشعراء : 193 ] أي جبريل .

وقوله تعالى : ( وإذ علمتك الكتاب والحكمة ) قال الحسن : الكتاب والحكمة واحد : الكتاب هو الحكمة ، والحكمة هي الكتاب لأن جميع كتب الله كان حكمة . وقال بعضهم : الكتاب ما يكتب من العلم ، والحكمة هي ما يعطى الإنسان من العلم على غير تعلم . وقال بعضهم : الكتاب هو ما يحفظ ، والحكمة هي القصة ، وهو واحد .

وقوله تعالى : ( وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني ) قوله : ( وإذ تخلق من الطين ) أي تصور ، وتقدر ( من الطين كهيئة الطير ) كان من عيسى ليكون آية لصدقه ونبوته . وعلى ذلك الآيات التي يأتي بها الرسل ليست الرسل يأتون بها في الحقيقة ، وبل كان الله هو الآتي بها والمنشئ تلك الآيات حقيقة ، لكنه يجريها على أيدي الرسل لتكون آيات صدقهم ودلالات رسالتهم . فأما أن يأتي الرسل بالآيات والحجج من عند أنفسهم فلا .

وقوله تعالى : ( تخلق ) ذكر التخليق لما تسمي العرب تصوير الشيء وتقديره[ الواو ساقطة من الأصل وم ] تخليقا . فعلى ذلك خرج الخطاب ، وقد ذكرنا هذا في ما تقدم .

وقوله تعالى : ( وتبرئ الأكمه ) قيل : الأكمه الذي يولد أعمى ، وأما الأعمى فهو الذي يذهب بصره بعد ما كان بصيرا . وقيل : الأكمه هو الذي لا حدق له ، وهو ما ذكرنا ، والله أعلم/142-ب/ .