الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱذۡكُرۡ نِعۡمَتِي عَلَيۡكَ وَعَلَىٰ وَٰلِدَتِكَ إِذۡ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلۡمَهۡدِ وَكَهۡلٗاۖ وَإِذۡ عَلَّمۡتُكَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَۖ وَإِذۡ تَخۡلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيۡـَٔةِ ٱلطَّيۡرِ بِإِذۡنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيۡرَۢا بِإِذۡنِيۖ وَتُبۡرِئُ ٱلۡأَكۡمَهَ وَٱلۡأَبۡرَصَ بِإِذۡنِيۖ وَإِذۡ تُخۡرِجُ ٱلۡمَوۡتَىٰ بِإِذۡنِيۖ وَإِذۡ كَفَفۡتُ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ عَنكَ إِذۡ جِئۡتَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (110)

قوله { إِذْ قَالَ اللَّهُ يعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ }

يعني حين قال اللّه يا عيسى بن مريم ، محل عيسى نصب لأنه نداء المنصوب إذا جعلته نداء واحداً ، فإن شئت جعلته ندائين فيكون عيسى في محل الرفع لأنه نداء مفرد وابن في موضع النصب لأنه نداء مضاف ، وتقدير الكلام يا عيسى يابن مريم . نظيره قوله :

يا حكم بن المنذر بن الجارود *** أنت الجواد ابن الجواد ابن الجود

ذلك في حكم الرفع والنصب ، وليس بن المنذر عن النصب { اذْكُرْ نِعْمَتِي } قال الحسن : ذكر النعمة شكرها وأراد بقوله نعمتي نعمي لفظه واحد ومعناه الجمع كقوله تعالى : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } [ إبراهيم : 34 ] أراد نعم اللّه لأن العدد لا ينفع على الواحد ، { عَلَيْكَ } يا عيسى { وَعَلَى وَالِدَتِكَ } مريم ، ثم ذكر النعم { إِذْ أَيَّدتُّكَ } قويّتك وأعنتك { بِرُوحِ الْقُدُسِ } يعني جبرئيل ، { تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ } صبياً { وَكَهْلاً } نبياً { وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ } قال ابن عباس : أرسله اللّه وهو ابن ثلاثين سنة فمكث في رسالته ثلاثين شهراً ثم رفعه اللّه إليه .

{ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ } يعني الخط { وَالْحِكْمَةَ } يعني العلم والقيم ، { وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ } وتجعل وتصوّر وتقدر إلى قوله : { فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } [ المؤمنون : 14 ] أي المصورين من الطين { كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ } كصورة الطير .

{ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي } حياً يطير بإذني { وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ } تصح وتشفي { وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى } من قبورهم أحياء { بِإِذْنِيِ } فأحيا سام بن نوح ورجلين وامرأة وجارية { وَإِذْ كَفَفْتُ } منعت وصرفت { بَنِي إِسْرَائِيلَ } يعني اليهود { عَنكَ } حين همّوا بقتلك { إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ } يعني الدلالات والمعجزات التي ذكرتها ، { فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَذَا } ما هذا { إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } يعني ما جاءتهم من البينات ، ومن قال ساحر بالألف فإنه راجع إلى عيسى ( عليه السلام ) .

محمد بن عبد اللّه بن حمدون ، مكي بن عبدان ، أبو الأزهر عن أسباط عن مجاهد بن عبد اللّه ابن عمير قال : لما قال اللّه لعيسى { اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ } كان يلبس الشعر ويأكل الشجر ولا يدخر شيئاً لغد ، ولم يكن له بيت فيخرب ولا ولد فيموت أينما أدركه الليل بات .