السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱذۡكُرۡ نِعۡمَتِي عَلَيۡكَ وَعَلَىٰ وَٰلِدَتِكَ إِذۡ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلۡمَهۡدِ وَكَهۡلٗاۖ وَإِذۡ عَلَّمۡتُكَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَۖ وَإِذۡ تَخۡلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيۡـَٔةِ ٱلطَّيۡرِ بِإِذۡنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيۡرَۢا بِإِذۡنِيۖ وَتُبۡرِئُ ٱلۡأَكۡمَهَ وَٱلۡأَبۡرَصَ بِإِذۡنِيۖ وَإِذۡ تُخۡرِجُ ٱلۡمَوۡتَىٰ بِإِذۡنِيۖ وَإِذۡ كَفَفۡتُ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ عَنكَ إِذۡ جِئۡتَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (110)

وقوله تعالى :

{ إذ قال الله يا عيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك } أي : اشكرها منصوب بإضمار اذكر ، وقيل : بدل من يوم يجمع وهو على طريقة : ونادى أصحاب الجنة ، والمعنى أنه تعالى يوبخ الكفرة يومئذٍ بسؤال الرسل عن إجابتهم وتعديد ما أظهروا عليهم من الآيات فكذبتهم طائفة وسموهم سحرة وغلا آخرون فاتخذوهم آلهة وقوله تعالى : { إذ أيدتك } أي : قوّيتك ظرف ل( نعمتي ) أو حال منه { بروح القدس } أي : جبريل عليه السلام فكان له في الصغر حفظ لم يكن لغيره وقوله تعالى :

{ تكلم الناس } حال من الكاف في أيدتك { في المهد } أي : طفلاً { وكهلاً } أي : تكلمهم في الطفولية والكهولة على السواء والمعنى : إلحاق حاله في الطفولية بحال الكهول في كمال العقل والتكلم به ، وبه استدل على أنه ينزل قبل الساعة ؛ لأنه رفع قبل الكهولة كما سبق في آل عمران { وإذ علمتك الكتاب } أي : الخط الذي هو مبدأ العلم { والحكمة } أي : الفهم لحقائق الأشياء والعمل بما يدعو إليه العلم { والتوراة } أي : المنزلة على موسى صلى الله عليه وسلم { والإنجيل } أي : المنزل عليك { وإذ تخلق من الطين } أي : هذا الجنس { كهيئة } أي : كصورة { الطير } والكاف اسم بمعنى مثل مفعول { بإذني } أي : بأمري { فتنفخ فيها } أي : في الصورة المهيأة { فتكون } تلك الصورة التي هيأتها { طيراً بإذني } أي : بإرادتي ، وقرأ نافع بالمدّ بعد الطاء وبعد الألف همزة مكسورة وورش يرقق الراء على أصله والباقون بياء ساكنة بعد الطاء { وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني } وسبق تفسيرهما في سورة آل عمران { وإذ تخرج الموتى } أي : من قبورهم أحياء { بإذني وإذ كففت بني إسرائيل } أي : اليهود { عنك } أي : حين هموا بقتلك وقوله تعالى : { إذ جئتهم } ظرف ل( كففت ) { بالبينات } أي : المعجزات { فقال الذين كفروا منهم إن } أي : ما { هذا } الذي جئت به { إلا سحر مبين } أي : بيّن ظاهر ، وقرأ حمزة والكسائي بفتح السين وألف بعدها وكسر الحاء إشارة إلى عيسى عليه السلام ، والباقون بكسر السين وسكون الحاء ولا ألف بعدها إشارة إلى ما جاء به .