السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَرَبَطۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ إِذۡ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ لَن نَّدۡعُوَاْ مِن دُونِهِۦٓ إِلَٰهٗاۖ لَّقَدۡ قُلۡنَآ إِذٗا شَطَطًا} (14)

{ وربطنا على قلوبهم } ، أي : قويناها فصار ما فيها من القوى مجتمعاً غير مبدد فكانت حالهم في الجلوة حالهم في الخلوة . { إذ قاموا } ، أي : وقت قيامهم بين يدي الجبار دقيانوس من غير مبالاة به حين عاتبهم على ترك عبادة الأصنام { فقالوا ربنا رب السماوات والأرض } وذلك لأنه كان يدعو الناس إلى عبادة الطواغيت فثبت الله تعالى هؤلاء الفتية حتى عصوا ذلك الجبار وأقروا بربوبية الله تعالى وصرحوا بالبراءة من الشرك والأنداد بقولهم : { لن ندعو من دونه إلهاً } لأنّ ما سواه عاجز والله { لقد قلنا إذاً } ، أي : إذا دعونا من دونه غيره { شططاً } ، أي : قولاً ذا بعد عن الحق جداً . وقال مجاهد : كانوا أبناء عظماء مدينتهم فخرجوا فاجتمعوا وراء المدينة من غير ميعاد فقال رجل منهم هو أكبر القوم : إني لأجد في نفسي شيئاً ما أظن أنّ أحداً يجده قالوا : ما تجد ؟ قال : أجد في نفسي أنّ ربي رب السماوات والأرض . قالوا : نحن كذلك في أنفسنا فقاموا جميعاً فقالوا : { ربنا رب السماوات والأرض } . وقال عطاء : قالوا ذلك عند قيامهم من النوم . قال الرازي : وهو بعيد لأنّ الله تعالى استأنف قصتهم بقوله تعالى : { نحن نقص عليك } .

وقال عبيد بن عمير : كان أصحاب الكهف فتياناً مطوّقين مسورين ذوي ذوائب ، وكان معهم كلب صيدهم فخرجوا في عيد لهم عظيم في زيّ وموكب وأخرجوا معهم آلهتهم التي يعبدونها وقد قذف الله تعالى في قلوب الفتية الإيمان ، وكان أحدهم وزير الملك فآمنوا وأخفى كل واحد إيمانه فقالوا في أنفسهم : نخرج من بين أظهر هؤلاء القوم لا يصيبنا عقاب بجرمهم فخرج شابة منهم حتى انتهى إلى ظل شجرة فجلس فيه ثم خرج آخر فرآه جالساً وحده فرجا أن يكون على مثل أمره من غير أن يظهر ذلك ثم خرج آخر فخرجوا كلهم جميعاً فاجتمعوا فقال بعضهم لبعض : ما جمعكم وكل واحد يكتم صاحبه مخافة على نفسه ثم قالوا : ليخرج كل فتيين فيخلوا ثم يفشي كل واحد سرّه إلى صاحبه ففعلوا فإذا هم جميعاً على الإيمان ، وإذا بكهف في الجبل قريب منهم فقال بعضهم لبعض : { هؤلاء قومنا } .