الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{۞وَلَا تُجَٰدِلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ إِلَّا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡۖ وَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَأُنزِلَ إِلَيۡكُمۡ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمۡ وَٰحِدٞ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ} (46)

{ وَلاَ تُجَادِلُواْ أَهْلَ الْكِتَابِ } الجدال : فتل الخصم عن مذهبه بطريق الحجاج فيه ، وأصله شدة الفتل ومنه قيل للصقر : أجدل لشدة فتل بدنه وقوة خلقه ، وقيل : الجدال من الجدالة وهو أن يروم كل واحد من الخصمين قهر صاحبه وصرعه على الجدالة وهي الأرض .

{ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } ألطف وأرفق ، وهو الجميل من القول والدعاء إلى الله والبينة على آيات الله وحججه .

{ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } قال مجاهد : يعني إن قالوا شراً فقولوا خيراً { إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } أي أبوا أن يعطوا الجزية ونصبوا الحرب ، فأولئك انتصروا منهم وجادلوهم بالسيف حتى يسلموا أو يقرّوا بالجزية . قال سعيد بن جبير : هم أهل الحرب من لا عهد لهم فجادلوهم بالسيف . ابن زيد : { إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } بالإقامة على كفرهم بعد قيام الحجة عليهم .

ومجاز الآية : إلاّ الذين ظلموكم لأنّ جميعهم ظالم . وقال قتادة ومقاتل : هذه الآية منسوخة بقوله :

{ قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } [ التوبة : 29 ] . . . الآية .

{ وَقُولُواْ آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ } أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن ، قال : حدثنا محمد بن يحيى ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، قال : أخبرني ابن أبي نملة الأنصاري : " إنّ أبا نملة أخبره واسمه ( عمّار ) إنّه بينما هو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس جاءه رجل من اليهود ومر بجنازة ، فقال : يا محمد هل تتكلم هذه الجنازة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الله أعلم " ، فقال اليهودي : إنّها تتكلم .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله ، فإن كان باطلا لم تصدقوهم وإن كان حقاً لم تكذبوهم » " .

وروى أبو سلمة عن أبي هريرة قال : كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ، فيفسرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم " { وَقُولُواْ آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ } . . . الآية " .

وروى سفيان ومسعود ، عن سعد بن إبراهيم ، عن عطاء بن يسار قال : بينما رجل من أهل الكتاب يحدث أصحابه وهم يسبّحون كلما ذكر شيئاً من أمرهم ، قال : فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه ، فقال : " لا تصدقوهم ولا تكذبوهم ولكن { قولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم } " .

{ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }