الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{۞وَلَا تُجَٰدِلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ إِلَّا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡۖ وَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَأُنزِلَ إِلَيۡكُمۡ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمۡ وَٰحِدٞ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ} (46)

ثم قال تعالى : { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن } أي : لا تجادلوا أيها المؤمنون اليهود والنصارى إلا بالجميل من القول ، وهو الدعاء إلى الله والتنبيه على حججه .

{ إلا الذين ظلموا منهم } هذا بدل من " أهل " ويجوز أن يكون استثناء{[54548]} .

والمعنى : إلا الذين امتنعوا من إعطاء الجزية ونصبوا دونها الحرب فلكم قتالهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية . قاله مجاهد{[54549]} وغيره ، وهو اختيار الطبري{[54550]} .

وقال ابن جبير{[54551]} : هم أهل الحرب ومن لا عهد له ، فلك أن تجادله بالسيف{[54552]} .

وقيل المعنى : لا تجادلوا من كفر منهم بمحمد صلى الله عليه وسلم فيما يخبرونكم به من نص كتابهم إلا بالقول الجميل ، وأن تقولوا آمنا بما أنزل إلينا وأنزل إليكم ، إلا الذين ظلموا منهم يعني الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وأقاموا على كفرهم .

فالآية محكمة على هذا القول . روي هذا القول عن ابن زيد{[54553]} .

وقال قتادة : هي منسوخة بالأمر بالقتال لأنها مكية{[54554]}

وقال أبو هريرة : كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرون بالعربية لأهل الإسلام ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا . . " الآية{[54555]} .

ومعنى : { إلا الذين ظلموا } أي : ظلموكم في منعهم الجزية ومحاربتكم . والكل ظالمون لأنفسهم بكفرهم من أدى الجزية ومن لم يؤد .

{ وإلهنا وإلهكم واحد } أي : معبودنا ومعبودكم واحد .

{ ونحن له مسلمون } : أي خاضعون ومتذللون بالطاعة له } .


[54548]:انظر: مشكل الإعراب لمكي 2/556، وإعراب النحاس 3/258، حيث قال مكي وكذلك النحاس: "إلا الذين" في موضع نصب على البدل من "أهل" أو على الاستثناء". وقال العكبري في التبيان 2/1034، هو استثناء من الجنس وفي المعنى وجهان، أحدهما: إلا الذين ظلموا فلا تجادلوهم بالحسنى بل بالغلظة، لأنهم يغلظون لكم، فيكون مستثنى من التي هي أحسن، لا من الجدال. الثاني: لا تجادلوهم البتة، بل حكموا فيهم السيف لفرط عنادهم".
[54549]:انظر: الإيضاح لمكي 378، وجامع البيان 1/21، وتفسير سفيان الثوري 235 ـ 236، والكشف والبيان للثعلبي 6/27، ومجمع البيان للطبرسي 20/ 369، والدر المنثور 6/469
[54550]:انظر: جامع البيان 2/21
[54551]:هو سعيد ابن جبير بن هشام الأسدي، أبو عبد الله، من كبار التابعين وأشهرهم في التفسير روى عن ابن عباس وابن مسعود، وروى عنه الأعمش وغيره، قتله الحجاج ظلما سنة 95هـ انظر: طبقات ابن سعد 6/256، وحلية الأولياء 4/272، 275، وتذكرة الحفاظ 1/76، 73، وتقريب التهذيب 1/292، 133.
[54552]:انظر: جامع البيان 21/2، والكشف والبيان للثعلبي 6/ 27
[54553]:انظر: جامع البيان 21/2، والإيضاح لمكي 377، والكشف والبيان للثعلبي 6/27. ونواسخ القرآن لابن الجوزي 206، والبحر المحيط 7/155
[54554]:انظر: كتاب الناسخ والمنسوخ لقتادة 45، والإيضاح لمكي 377، والناسخ والمنسوخ لابن حزم 50، والناسخ والمنسوخ لابن العربي 327، ونواسخ القرآن لابن الجوزي 206، وانظر: أيضا: جامع البيان 2/21، والكشف والبيان للثعلبي 6/27، وتفسير البغوي 5/196، وأحكام ابن العربي 3/1483، والجامع للقرطبي 13/350، والبحر المحيط 7/155، والدر المنثور 6/469. أما الآية الناسخة فهي قوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر}التوبة 29
[54555]:أخرجه البخاري في صحيحه كتاب التوحيد 8/213، وأبو داود في سننه 3644، والنسائي في تفسيره 2/148، والطبري في جامع البيان 21/3