السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞قُلۡ إِنَّمَآ أَعِظُكُم بِوَٰحِدَةٍۖ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثۡنَىٰ وَفُرَٰدَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا نَذِيرٞ لَّكُم بَيۡنَ يَدَيۡ عَذَابٖ شَدِيدٖ} (46)

{ قل إنما أعظكم } أي : أرشدكم وأنصح لكم { بواحدة } أي : بخصلة واحدة هي { أن تقوموا } أي : توجهوا نفوسكم إلى تعرف الحق وعبر بالقيام إشارة إلى الاجتهاد { لله } أي : الذي لا أعظم منه على وجه الإخلاص واستحضار ما له من العظمة بما له لديكم من الإحسان لا لإرادة المغالبة حال كونكم { مثنى } أي : اثنين اثنين قال البقاعي : وقدمه إشارة إلى أن أغلب الناس ناقص العقل { وفرادى } أي : واحداً واحداً من وثق بنفسه في رصانة عقله وإصابة رأيه قام وحده ليكون أصفى لسره وأعون على خلوص فكره ، ومن خاف عليها ضم إليه آخر ليذكره إذا نسي ويقومه إذا زاغ ، ولم يذكر غيرهما من الأقسام لأن الازدحام يشوش الخواطر ويخلط القول .

ولما كان ما طلب منهم هذا لأجله عظيماً جديراً بأن يهتم له هذا الاهتمام أشار إليه بأداة التراخي بقوله تعالى : { ثم تتفكروا } أي : في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به لتعلموا حقيته { ما بصاحبكم } أي : رسولكم الذي أرسل إليكم وهو محمد صلى الله عليه وسلم { من جِنة } أي : جنون يحمله على ذلك { إن } أي : ما { هو } أي : المحدث عنه بعينه { إلا نذير } أي : خالص إنذاره { لكم بين يدي } أي : قبل حلول { عذاب شديد } أي : في الآخرة إن عصيتموه ، روى البخاري عن ابن عباس أنه قال : «صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا ذات يوم فقال : يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش فقالوا : ما لك فقال : أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم أو يمسيكم أما كنتم تصدقوني قالوا : بلى قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب : تباً لك ألهذا جمعتنا فأنزل الله تعالى { تبت يدا أبي لهب وتب } ( المسد : 1 ) .