السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَفَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلۡمٖ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمۡعِهِۦ وَقَلۡبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَةٗ فَمَن يَهۡدِيهِ مِنۢ بَعۡدِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (23)

ثم عاد سبحانه وتعالى إلى شرح أحوال الكفار وقبائح طرائقهم فقال : { أفرأيت } أي : أعلمت علماً هو في تيقنه كالمحسوس بحاسة البصر التي هي أثبت الحواس { من اتخذ } أي : بغاية جهده { إلهه هواه } أي : ما يهواه من حجر بعد حجر يراه أحسن ، روي عن أبي رجاء العطاردي وهو ثقة أدرك الجاهلية ومات سنة خمس ومائة عن مائة وعشرين سنة قال : كنا نعبد الحجر فإذا وجدنا حجراً أحسن منه ألقيناه وأخذنا الآخر فإذا لم نجد حجراً جمعنا حثوة من تراب فحلبنا عليها ثم طفنا بها . قال الأصفهاني : سئل ابن المقفع عن الهوى فقال : هوان سرقت نونه فنظمه من قال :

نون الهوان من الهوى مسروقة *** فأسير كل هوى أسير هوان

وقال آخر أيضاً :

إن الهوى لهو الهوان بعينه *** فإذا هويت فقد لقيت هوانا

{ وأضله الله } أي : بما له من الإحاطة { على علم } منه تعالى أي : عالماً بأنه من أهل الضلالة قبل خلقه { وختم } زيادة على الإضلال الخاص { على سمعه } فلا فهم له في الآيات المسموعة { وقلبه } أي : فهو لا يعي ما في حقه وعيه . { وجعل على بصره غشاوة } أي : ظلمة فلا يبصر الهوى . ويقدر هنا المفعول الثاني لرأيت أي : أيهتدي ، وقرأ حمزة والكسائي بفتح الغين وسكون الشين ، والباقون بكسر الغين وفتح الشين وألف بعد الشين وإذا صار بهذه المثابة { فمن يهديه } وأشار تعالى إلى قدرته عليه بقوله سبحانه وتعالى { من بعد الله } أي : إن أراد الله إضلاله الذي له الإحاطة بكل شيء أي : لا يهتدي { أفلا تذكّرون } أي : ألم يكن لكم نوع تذكر فتتعظوا وفيه إدغام إحدى التاءين في الذال .