السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجۡتَرَحُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن نَّجۡعَلَهُمۡ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَوَآءٗ مَّحۡيَاهُمۡ وَمَمَاتُهُمۡۚ سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ} (21)

وقوله تعالى : { أم حسب } منقطعة فتقدر ببل والهمزة أو ببل وحدها أو بالهمزة وحدها ومعنى الهمزة فيها : إنكار الحسبان { الذين اجترحوا } أي : اكتسبوا ، ومنه الجوارح وفلان جارحة أهله أي : كاسبهم وقال تعالى { ويعلم ما جرحتم بالنهار } ( الأنعام : 60 )

{ السيئات } أي : الكفر والمعاصي { أن نجعلهم } أي : بما لنا من العظمة المانعة من الظلم المقتضية للحكمة { كالذين آمنوا وعملوا } تصديقاً لإقرارهم { الصالحات } أي : بأن نتركهم بغير حساب للفصل بين المحسن والمسيء .

ولما كانت المماثلة مجملة بينها استئنافاً بقوله تعالى : { سواء } أي : مستو استواء عظيماً { محياهم ومماتهم } أي : حياتهم وموتهم وزمان ذلك ومكانه في الارتفاع والسفول واللذة والكدر وغير ذلك من الأعيان والمعاني ، وقرأ حمزة والكسائي وحفص سواء بالنصب على الحال من الضمير المستتر في الجار والمجرور وهما كالذين آمنوا ، ويكون المفعول الثاني للجعل كالذين آمنوا أي : أحسبوا أن نجعلهم مثلهم في حال استواء محياهم ومماتهم ليس الأمر كذلك ، وقرأه الباقون بالرفع على أنه خبر ومحياهم ومماتهم مبتدأ ومعطوف والجملة بدل من الكاف والضميران للكفار ، والمعنى : أحسبوا أن نجعلهم في الآخرة في خير كالمؤمنين أي : في رغد من العيش مساوٍ لعيشهم في الدنيا حيث قالوا للمؤمنين : لئن بعثنا لنعطى من الخير مثل ما تعطون ، قال تعالى على وفق إنكاره بالهمزة { ساء ما يحكمون } أي : ليس الأمر كذلك ، فهم في الآخرة في العذاب على خلاف عيشهم في الدنيا والمؤمنون في الآخرة في الثواب بأعمالهم الصالحات في الدنيا من الصلاة والزكاة والصيام وغير ذلك ، وما مصدرية أي : بئس حكماً حكمهم هذا .