السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَوۡ نَشَآءُ لَأَرَيۡنَٰكَهُمۡ فَلَعَرَفۡتَهُم بِسِيمَٰهُمۡۚ وَلَتَعۡرِفَنَّهُمۡ فِي لَحۡنِ ٱلۡقَوۡلِۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ أَعۡمَٰلَكُمۡ} (30)

{ ولو نشاء لأريناكهم } من رؤية البصر وجاء على الأفصح من اتصال الضميرين ولو جاء على أريناك إياهم جاز وقال الرازي الإراءة هنا بمعنى التعريف وقوله تعالى { فلعرفتهم } عطف على جواب لو { بسيماهم } أي : بسبب علاماتهم التي نجعلها غالبة عليهم عالية لهم في إظهار ضمائرهم غلبة لا يقدرون على مدافعتها بوجه ولم يذكرهم سبحانه بأسمائهم إبقاء على قراباتهم المخلصين من الفتن وقوله تعالى { ولتعرفنهم } جواب قسم محذوف { في لحن القول } أي : الصادر منهم ، ولحنه فحواه أي معناه وما يدل عليه ويلوح عليه من ميله عن حقائقه إلى عواقبه ، وما يؤول إليه أمره مما يخفى على غيرك قال أنس : ما خفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية شيء من المنافقين كان يعرفهم بسيماهم . وعن ابن عباس : لحن القول هو قولهم ما لنا إن أطعنا من الثواب ولا يقولون ما علينا إن عصينا وقيل اللحن أن تلحن بكلامك أي تميله إلى نحو من الأنحاء ليفطن له صاحبك كالتعريض والتورية قال :

ولقد لحنت لكم لكيما تفهموا *** واللحن يعرفه ذوو الألباب

وقيل للمخطئ : لاحن ، لأنه يعدل بالكلام عن الصواب . وقال أبو حيان : كانوا اصطلحوا على ألفاظ يخاطبون بها الرسول صلى الله عليه وسلم مما ظاهره حسن ويعنون به القبيح { والله } أي : بما له من الكمال { يعلم أعمالكم } كلها الفعلية والقولية جليها وخفيها علماً ثابتاً غيبياً وعلماً راسخاً شهودياً يتجدّد بحسب تجدّدها مستمرّاً باستمرار ذلك .