السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَمَا وَجَدۡنَا فِيهَا غَيۡرَ بَيۡتٖ مِّنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (36)

{ فما وجدنا فيها } أي : تلك القرى ، أسند الأمر إليه تشريفاً لرسله وإعلاماً بأنّ فعلهم فعله تعالى { غير بيت } أي : واحد وهو بيت ابن أخي إبراهيم عليهما السلام ، وقيل : كانت عدّة الناجين منهم ثلاثة عشر { من المسلمين } أي : العريقين في إسلام الظاهر والباطن لله تعالى من غير اعتراض أصلاً ، وهم إبراهيم وآله عليهم السلام وإنهم أوّل من وجد منهم الإسلام الأتم وتسموا به كما مرّ في سورة البقرة ، وسموا به أتباعهم فكان هذا البيت الواحد صادقاً عليه الإيمان الذي هو التصديق والإسلام الذي هو الانقياد قال البغوي : وصفهم الله تعالى بالإيمان والإسلام جميعاً لأنه ما من مؤمن إلا وهو مسلم يعني لما بينهما من التلازم وإن اختلف المفهومان ، وقال الأصفهاني : وقيل : كان لوط وأهل بيته الذين نجوا ثلاثة عشر وقيل : هم لوط وابنتاه وصفوا بالإيمان والإسلام أي هم مصدّقون بقلوبهم عاملون بجوارحهم الطاعات .

تنبيه : في الآية إشارة إلى أنّ الكفر إذا غلب والفسق إذا فشا لا تنفع معه عبادة المؤمنين ، بخلاف ما لو كان أكثر الخلق على الطريقة المستقيمة وفيهم شرذمة يسيرة يسرقون ويزنون ومثاله : أنّ العالم كالبدن ، ووجود الصالحين كالأغذية الباردة والحارة والسموم والواردة عليه الضارة ، ثم إنّ البدن إذا خلا عن النافع وفيه الضار هلك وإن خلا عن الضار وفيه النافع طاب ونما ، وإن وجدا فيه معاً فالحكم للأغلب ، وإطلاق الخاص على العام لا مانع منه لأنّ المسلم أعم من المؤمن ، فإذا سمى المؤمن مسلماً لا يدل على اتحاد مفهوميهما فكأنه تعالى قال : أخرجنا المؤمنين فما وجدنا الأعم منهم إلا بيتاً من المسلمين ، ويلزم من هذا أن لا يكون هناك غيرهم من المؤمنين .