السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ تَنزِيلٗا} (23)

ولما بين تعالى بهذا القرآن العظيم الوعد والوعيد ذكر سبحانه أنه من عنده وليس هو بسحر ولا كهانة ولا شعر بقوله تعالى : { إنا نحن } أي : على ما لنا من العظمة التي لا نهاية لها لا غيرنا { نزلنا عليك } وأنت أعظم الخلق إنزالاً استعلى حتى صار المنزَّل خلُقُاً لك { القرآن } أي : الجامع لكل هدى { تنزيلاً } قال ابن عباس : متفرّقاً آية بعد آية ولم ينزل جملة واحدة .

قال الرازي : والمقصود من هذه الآية تثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم وشرح صدره فيما نسبوه إليه صلى الله عليه وسلم من كهانة وسحر ، فذكر تعالى أنّ ذلك وحي من الله تعالى فكأنه تعالى يقول : إن كان هؤلاء الكفار يقولون : إنّ ذلك كهانة فأنا الله الملك الحق أقول على سبيل التأكيد : إنّ ذلك وحي حق وتنزيل صدق من عندي . وفي ذلك فائدتان ، الأولى : إزالة الوحشة الحاصلة بسبب طعن الكفار ، لأنّ الله تعالى عظمه وصدّقه . الثانية : تقويته على تحمل مشاق التكليف ، فكأنه تعالى يقول له : إني ما نزلت القرآن عليك متفرّقاً إلا لحكمة بالغة تقتضي تخصيص كل شيء بوقت معين ، وقد اقتضت تلك الحكمة تأخير الإذن في القتال .