السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{مُّتَّكِـِٔينَ فِيهَا عَلَى ٱلۡأَرَآئِكِۖ لَا يَرَوۡنَ فِيهَا شَمۡسٗا وَلَا زَمۡهَرِيرٗا} (13)

ثم بين حالهم فيها بقوله تعالى { متكئين فيها } أي : الجنة . واختلفوا في إعراب متكئين ، فقال الجلال المحلي : حال من مرفوع ادخلوها المقدر . وقال أبو البقاء : يجوز أن يكون حالاً من المفعول في جزاهم وأن يكون صفة ، واعترض عليه في كونه صفة بأنه لا يجوز عند البصريين لأنه كان يلزم الضمير ، فيقال : متكئين هم فيها لجريان الصفة على غير من هي له وقيل : إنه من فاعل صبروا ، واعترض أنّ الصبر كان في الدنيا والاتكاء في الآخرة ، وأجيب بأنه يصح أن يكون حالاً مقدرة لأنّ مآلهم بسبب صبرهم إلى هذه الحالة .

ثم أشار إلى زيادة راحتهم بقوله تعالى : { على الأرائك } أي : السرر في الحجال ولا تكون أريكة إلا مع وجود الحجلة وقيل : الأرائك الفرش على السرر . وقوله تعالى : { لا يرون فيها } أي : الجنة حال ثانية على الخلاف المتقدم في الأولى ، ومن جوّز أن تكون الأولى صفة جوّزه في الثانية . وقيل : إنها حال من الضمير المرفوع المستكن في متكئين فتكون حالاً متداخلة . { شمساً } أي : حرًّا { ولا } يرون فيها { زمهريراً } أي : برداً شديداً فالآية من الاحتباك دل نفي الشمس أوّلاً على نفي القمر ودل نفي الزمهرير الذي هو سبب البرد ثانياً على نفي الحرّ الذي سببه الشمس ، فأفاد هذا أنّ الجنة غنية عن النيرين ، لأنها نيرة بذاتها وأهلها غير محتاجين إلى معرفة زمان إذ لا تكليف فيها بوجه وأنها ظليلة معتدلة دائماً بخلاف الدنيا ، فإنّ فيها الحاجة إلى ذلك ، والحرّ والبرد فيها من فيح جهنم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اشتكت النار إلى ربها قالت : يا رب أكل بعضي بعضاً فجعل لها نفسين نفساً في الشتاء ونفساً في الصيف فشدة ما تجدونه من البرد من زمهريرها وشدة ما تجدونه من الحرّ من سمومها » وقيل : الزمهرير القمر بلغة طيئ ، وأنشدوا :

وليلة ظلامها قد اعتكر *** قطعتها والزمهرير ما زهر

ويروى ما ظهر .