إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَكُلِي وَٱشۡرَبِي وَقَرِّي عَيۡنٗاۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلۡبَشَرِ أَحَدٗا فَقُولِيٓ إِنِّي نَذَرۡتُ لِلرَّحۡمَٰنِ صَوۡمٗا فَلَنۡ أُكَلِّمَ ٱلۡيَوۡمَ إِنسِيّٗا} (26)

{ فَكُلِي واشربي } أي ذلك الرطبَ وماءَ السَّريِّ أو من الرطب وعصيرِه { وَقَرّى عَيْناً } وطِيبي نفساً وارفضي عنها ما أحزنك وأهمك ، فإنه تعالى قد نزّه ساحتَك عما اختلج في صدور المتعبدين بالأحكام العادية بأن أظهر لهم من البسائط العنصريةِ والمركباتِ النباتية ما يخرِق العاداتِ التكوينيةَ ويرشدهم إلى الوقوف على سريرة أمرِك ، وقرئ وقِرّي بكسر القاف وهي لغة نجد واشتقاقُه من القرار ، فإن العينَ إذا رأت ما يسرّ النفسَ سكنت إليه من النظر إلى غيره ، أو من القَرّ فإن دمعةَ السرور باردةٌ ودمعةَ الحُزن حارة ، ولذلك يقال : قُرّة العين وسُخْنةُ العين للمحبوب والمكروه { فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البشر أَحَداً } أي آدمياً كائناً مَنْ كان ، وقرئ تَرئِنّ على لغة من يقول : لبّأْتُ بالحج لما بين الهمزة والياءِ من التآخي { فقولي } له إن استنطقك { إني نَذَرْتُ للرحمن صَوْماً } أي صمتاً وقد قرئ كذلك ، أو صياماً وكان صيامُهم بالسكوت { فَلَنْ أُكَلّمَ اليوم إِنسِيّاً } أي بعد أن أخبرتُكم بنذري وإنما أكلم الملائكةَ وأناجي ربي ، وقيل : أُمِرت بأن تخبرَ بنذرها بالإشارة وهو الأظهرُ ، قال الفراء : العربُ تسمِّي كلَّ ما وصل إلى الإنسان كلاماً بأي طريق وصَل ما لم يؤكَّد بالمصدر ، فإذا أُكّد لم يكن إلا حقيقةَ الكلام ، وإنما أمرت بذلك لكراهة مجادلةِ السفهاء ومناقلتهم والاكتفاء بكلام عيسى عليه السلام ، فإنه نصٌّ قاطعٌ في قطع الطعن .