إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَأَجَآءَهَا ٱلۡمَخَاضُ إِلَىٰ جِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ قَالَتۡ يَٰلَيۡتَنِي مِتُّ قَبۡلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسۡيٗا مَّنسِيّٗا} (23)

{ فَأَجَاءهَا المخاض } أي فألجأها وهو في الأصل منقول من جاء لكنه لم يستعمل في غيره كآتي في أعطي ، وقرئ المِخاض بكسر الميم وكلاهما مصدرُ مخِضَت المرأةُ إذا تحرك الولدُ في بطنها للخروج { إلى جِذْعِ النخلة } لتستتر به وتعتمد عليه عند الوِلادة وهو ما بين العِرْق والغصن ، وكانت نخلةً يابسةً لا رأس لها ولا خُضرة وكان الوقت شتاءً ، والتعريفُ إما للجنس أو للعهد إذ لم يكن ثمةَ غيرُها وكانت كالمتعالم عند الناس ، ولعله تعالى ألهمها ذلك ليُريَها من آياتها ما يسكّن رَوْعتها ويطعمها الرُّطَبَ الذي هو خُرْسةُ النُّفَساءِ الموافقةُ لها { قَالَتْ يا ليتنى مّتَّ } بكسر الميم من مات يمات كخِفت ، وقرئ بضمها من مات يموت { قَبْلَ هذا } أي هذا الوقتِ الذي لقِيتُ فيه ما لقِيت ، وإنما قالته مع أنها كانت تعلم ما جرى بينها وبين جبريلَ عليه السلام من الوعد الكريم ، استحياءً من الناس وخوفاً من لائمتهم ، أو حِذاراً من وقوع الناس في المعصية بما تكلموا فيها ، أو جرياً على سَنن الصالحين عند اشتدادِ الأمر عليهم كما روي عن عمر رضي الله عنه أنه أخذ تِبْنةً من الأرض فقال : « يا ليتنى هذه التبنةُ ولم أكن شيئاً » ، وعن بلال أنه قال : « ليت بلالاً لم تلده أمُّه » { وَكُنتُ نَسْياً } أي شيئاً تافهاً شأنُه أن يُنسى ولا يُعتدَّ به أصلاً ، وقرئ بالكسر ، قيل : هما لغتان في ذلك كالوتر ، وقيل : هو بالكسر اسمٌ لما يُنسى كالنِّقْض اسمٌ لما يُنقض وبالفتح مصدرٌ سُمِّي به المفعولُ مبالغةً ، وقرئ بهما مهموزاً من نسأتُ اللبن إذا صببتُ عليه الماء فصار مستهلَكاً فيه ، وقرئ نساً كعصاً { مَّنسِيّاً } لا يخطُر ببال أحد من الناس وهو نعتٌ للمبالغة ، وقرئ بكسر الميم إتباعاً له بالسين .