ثم نبه على الأمر الذي لأجله يحصل ترجيح وعد الرحمن على وعد الشيطان وهو الحكمة والعقل ، فإن وعد الشيطان إنما ترجحه الشهوة والنفس . عن مقاتل : إن تفسير الحكمة في القرآن على أربعة أوجه : أحدها : مواعظ القرآن
{ وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به }[ البقرة : 231 ] وثانيها الحكمة بمعنى الفهم { وآتيناه الحكم صبياً }[ مريم : 12 ] { ولقد آتينا لقمان الحكمة }[ لقمان : 12 ] وثالثها الحكمة بمعنى النبوة { وآتاه الله الملك والحكمة }[ البقرة : 251 ] ورابعها القرآن بما فيه من الأسرار { يؤتي الحكمة من يشاء } وجميع هذه الوجوه عند التحقيق ترجع إلى العلم . فتأمل يا مسكين شرف العلم فإن الله تعالى سماه الخير الكثير { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً } والتنكير للتعظيم . وسمى الدنيا بأسرها قليلاً { قل متاع الدنيا قليل } وذلك أن الدنيا متناهية العدد ، متناهية المقدار ، متناهية المدة والعلوم ، لا نهاية لمراتبها وعددها ومدة بقائها والسعادات الحاصلة منها . واعلم أن كمال الإنسان في شيئين : أن يعرف الحق لذاته والخير لأجل العمل به . فمرجع الأول إلى العلم والإدراك المطلق ، ومرجع الثاني إلى فعل العدل والصواب ، ولذلك سأل إبراهيم صلى الله عليه وسلم { رب هب لي حكماً }[ الشعراء : 83 ] وهو الحكمة النظرية ، { وألحقني بالصالحين }[ الشعراء : 83 ] وهو الحكمة العملية . ونودي موسى عليه السلام { إني أنا الله لا إله إلا أنا } وهو الحكمة النظرية ثم قال :{ فاعبدني }[ طه : 14 ] وهو العملية . وحكي عن عيسى عليه السلام أنه { قال إنّي عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً وجعلني مباركاً أينما كنت }[ مريم : 30 ، 31 ] وكلها النظرية { وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً }
[ مريم : 31 ، 32 ] وجميعها العملية . وقال في حق محمد صلى الله عليه وسلم :
{ فاعلم أنه لا إله إلا الله }[ محمد : 19 ] وهو النظرية ثم قال { واستغفر لذنبك }
[ محمد : 19 ] وهو العملية . وقال في حق جميع الأنبياء { ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا }[ النحل : 2 ] وأنه الحكمة العلمية ثم قال{ فاتقون }[ النحل : 2 ] وهو الحكمة العملية . فعلم من هذه الآيات وأمثالها أن كمال حال الإنسان في هاتين القوتين . والحكمة فعلة من الحكم كالنحلة من النحل . ورجل حكيم إذا كان ذا حجا ولب وإصابة رأي ، فعيل بمعنى فاعل ويجيء بمعنى مفعول { فيها يفرق كل أمر حكيم }[ الدخان : 4 ] أي محكم . وفي الآية دليل على أن جميع العلوم النظرية والأخلاق المرضية إنما هي بإيتاء الله تعالى . والذين حملوا الإيتاء على التوفيق والإعانة كالمعتزلة ما زادوا إلا أن وسعوا الدائرة إذ لا بد من الانتهاء إليه أية سلكوا { وما يذكر إلا أولوا الألباب } الذين إذا حصل لهم الحكم والمعارف لم يقفوا عند المسببات ، فلم ينسبوا هذه الأحوال إلى أنفسهم بل يرقون إلى أسبابها حتى يصلوا إلى السبب الأول . وأما المعتزلة فإنهم لما فسروا الحكمة بقوة الفهم ووضع الدلائل قالوا : هذه الحكمة لا تفيد بنفسها وإنما ينتفع بها المرء إذا تدبر وتذكر فعرف ماله وما عليه ، وعند ذلك يقدم أو يحجم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.