تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يُؤۡتِي ٱلۡحِكۡمَةَ مَن يَشَآءُۚ وَمَن يُؤۡتَ ٱلۡحِكۡمَةَ فَقَدۡ أُوتِيَ خَيۡرٗا كَثِيرٗاۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (269)

الآية 269 وقوله تعالى : { يؤتي الحكمة من يشاء } ؛ قيل : الحكمة في هذا الموضع معرفة معرفة القرآن وتفسيره ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنه ، وكذا روي مرفوعا ، وقيل : الحكمة الفهم في القرآن ، وقيل : [ الحكمة الفقه ، وقيل : ]{[3361]} النبوة ، وقيل الحكمة هي الإصابة . وفيه دليل جواز الاجتهاد ، وأنه مصيب في اجتهاده .

قال الشيخ ، رحمه الله تعالى : في قوله : { يؤتي الحكمة من يشاء } اختلف في تأويل الحكمة في هذا ؛ قال قوم : هي القرآن ، وهو على ما وصفه { نورا } [ النساء : 174 ، . . . ] و { هدي } [ البقرة : 2 ، . . ] و{ روحا } [ الشورى : 52 ] و{ شفاء } [ الإسراء : 82 و . . ] ؛ والنور هو الذي تبصر به حقائق الأشياء ، وبالهدى يدرك كل [ شيء ]{[3362]} ، ويتقي كل تلف ، وبالروح يحيي كل ذي روح ، وبالشفاء يبرئ كل سقيم ، وتزال كل آفة . والذي هذا وصفه فهو الخير ، وبالله المعونة . وقال قوم : الحكمة هي الإصابة لحقيقة كل شيء ، وبها يتقي كل شر ، وينال كل خير ، وذلك الخير الكبير . وقال بعضهم : الحكمة هي السنة ؛ كأنه أكرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي من سلكه نجا ، ومن حاد عنه غوى .

[ وقيل : في الأصل ]{[3363]} الحكمة في التحقيق وضع كل شيء موضعه ، ودفع كل حق إلى محقه ، وقيل : هي من إحكام الأمور وإتقانها ، وذلك مقارب لما يضاد الحكمة السفه ، وهو في العقل الاضطراب في الأمور ، والله أعلم .

وقال قوم : الحكمة في القرآن هي فهم الحدود والسرائر ، وهو الذي به تدرك الموافقة والمخالفة من طريق الحقائق لا من طريق الظواهر ، وذلك عمل الحكماء ورعاة الدين ، ولا قوة إلا بالله .

وقال قوم : الحكمة هي الفقه ، والفقه معرفة الشيء بمعناه الدال على نظره ، وهو الذي به يوصل إلى معرفة الغائب بالشاهد والغامض والفرع بالأصل ، ولا قوة إلا بالله .

وأي هذه الوجوه كانت الحكمة ، فذلك يجمع خير الدارين ، لو حفظ حقه ، والذي هذا وصفه الخير الكثير ، وبالله المعونة .

وفي الآية دلالة أن الله لا يؤتي كلا الحكمة ، وإن كانت فعلا للحكيم فبإعطاء الله تعالى نالها ، وأنه لا يجوز أن يعطيها أحدا ، ثم لا ينالها المعطي ، وهذه الوجوه كلها تخالف رأي المعتزلة .

وقوله تعالى : { فقد أوتي خيرا } من حفظ النفس في الدنيا عن جميع الآفات ، وفي الآخرة عن وقع العقوبات .

وقوله تعالى : { وما يذكر إلا أولو الألباب } يعني وما يتعظ بما ذكر إلا ذوو{[3364]} الفهم والعقل .

وفي الآية نقص على المعتزلة لأنه قال : { يؤتي الحكمة من يشاء } [ ثم قال ]{[3365]} : { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا } ، ولا كل أحد يؤتي بعضا دون بعض . فلو كان على الله تعالى أن يعطي الأصلح في الدين لكان قد آتى الكل ، وبطل الفضل ، ومن قال : يؤتي غيرها فكان خلاف ما في الكتاب .


[3361]:في م: الفقه وقيل، ساقطة من ط ع انظر تفسير الآية (129) والآية (231).
[3362]:من ط ع.
[3363]:من ط ع، في الأصل وم: وفي الأصل قيل.
[3364]:في النسخ الثلاث: ذو.
[3365]:من ط ع وم.