قوله تعالى : { وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ } : الجمهورُ على " يُؤْتِي " " ومَنْ يُؤْتَ " بالياءَ فيهما ، وقرأ الربيع بن خيثم بالتاءِ على الخطاب فيهما . وهو خطابٌ للباري على الالتفاتِ . وقرأ الجمهور : " ومن يُؤْتَ " مبنياً للمفعول ، والقائمُ مقامَ الفاعلِ ضميرُ " مَنْ " الشرطيةِ ، وهو المفعولُ الأولُ ، و " الحكمةَ " مفعولٌ ثانٍ . وقرأ يعقوب : " يُؤْتِ " مبنياً للفاعل ، والفاعلُ ضميرُ الله تعالى ، و " مَنْ " مفعولٌ مقدمٌ ، و " الحكمة " مفعولٌ ثان كقولِك ؛ " يَّاً يُعْطِ زيدٌ درهماً أُعْطِه درهماً " .
وقال الزمخشري : بمعنى " ومَنْ يُؤتِهِ اللهُ " . قال الشيخ : " إن أرادَ تفسيرَ المعنى فهو صحيحٌ ، وإن أرادَ الإِعرابَ فليس كذلك ، إذ ليس ثَمَّ ضميرُ نصبٍ محذوفٌ ، بل مفعولٌ " يُؤْتِ " مَنْ الشرطيةُ المتقدمةُ . قلت : ويؤيِّدُ تقديرَ الزمخشري قراءةُ الأعمش : { ومَنْ يُؤْتِه الحكمةَ } بإثباتِ هاءِ الضمير ، و " مَنْ " في قراءتِه مبتدأٌ لاشتغالِ الفعلِ بمعمولهِ ، وعند مَنْ يجوِّزُ الاشتغالَ في أسماء الشرطِ والاستفهامِ يجُّوز في " مَنْ " النصبَ بإضمارِ فعلٍ ، ويقدِّرُه متأخراً ، والرفعُ على الابتداءِ ، وقد تقدَّم تحقيق هذهِ في غضونِ هذا الإِعرابِ .
وقوله : { أُوتِيَ } جوابُ الشرطِ ، والماضي المقترنُ بقد الواقعُ جواباً للشرطِ تارةً يكونُ ماضيَ اللفظِ مستقبلَ المعنى كهذه الآية ، فهو الجوابُ حقيقةً ، وتارةً يكونُ ماضيَ اللفظِ والمعنى نحو : { وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ } [ فاطر : 4 ] فهذا ليسَ جواباً ، بل الجوابُ محذوفٌ أي : فَتَسَلَّ فقد كُذِّبَتْ رسلٌ ، وسيأتي له مزيدُ بيانٍ .
والتنكيرُ في " خيراً " قال الزمخشري : " يفيدُ التعظيمَ كأنه قال : فقد أُوتِي أيَّ خيرٍ كثير " . قال الشيخ : " وتقديرُه هكذا يُؤدي إلى حَذْفِ الموصوفِ ب " أي " وإقامةِ الصفةِ مُقامَه ، فإنَّ التقديرَ : فقد أوتي خيراً أيَّ خيرٍ كثيرٍ ، وإلى حذفِ " أيَّ " الواقعةِ صفةً ، وإقامةِ المُضاف إليها مُقامَها ، وإلى وصفِ ما يُضاف إليه " أي " الواقعةُ صفةً نحو : مَرَرْتُ برجلٍ أيِّ رجلٍ كريمٍ ، وكلُّ هذا يَحْتاج إثباتُه إلى دليل ، والمحفوظُ عن العربِ أنَّ " أياً " الواقعةَ صفةً تُضاف إلى ما يُماثِلُ الموصوف نحو : " دَعَوْتُ أمرَأً أيَّ امرىءٍ ، فأجابني " وقد يُحْذَفُ الموصوفُ بأيّ كقوله :
إذا حارَب الحَجَّاجُ أيَّ منافقٍ *** . . . . . . . . . . . . . . . .
تقديرُهُ : منافقاً أيَّ منافقٍ ، وهذا نادرٌ ، وقد تقدَّم أَنَّ تقديرَ الزمخشري كذلك ، أعني كونَه حَذَفَ موصوفَ أيّ . وأصلُ " يَذَّكَّرُ " : يَتَذَكَّر فَأَدْغَمَ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.