{ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ المرسلين إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطعام وَيَمْشُونَ في الأسواق } جوابٌ عن قولهم : { مَا لهذا الرسول يَأْكُلُ الطعام وَيَمْشِي في الأسواق } والجملةُ الواقعةُ بعد إلاَّ صفةٌ لموصوفٍ قد حُذف ثقةً بدلالة الجارِّ والمجرورِ عليه وأقيمتْ هي مقامَه كما في قوله تعالى : { وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } والمعنى ما أرسلَنا أحداً قبلكَ من المُرسلين إلا آكلينَ وماشينَ وقيل : في حالٌ ، والتَّقديرُ إلاَّ وإنَّهم ليأكلون الخ وقُرئ يُمشَون على البناء للمفعول أي يُمشيهم حوائجُهم أو النَّاسُ . { وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ } تلوينٌ للخطاب بتعميمِه لسائر الرُّسلِ عليهم الصَّلاةُ والسلامُ بطريق التَّغليبِ ، والمرادُ بهذا البعضِ كفَّارُ الأممِ فإنَّ اختصاصَهم بالرُّسل وتبعيتهم لهم مصحِّحٌ لأنْ يعدُّوا بعضاً منهم وبما في قوله تعالى : { لِبَعْضٍ } رسلِهم لكن لا على معنى جعلنا مجموعَ البعضِ الأولِ { فِتْنَةً } أي ابتلاءً ومحنةً لمجموعِ البعض الثَّاني ولا على معنى جعلنا كلَّ فردٍ من أفراد البعض الأول فتنةً لكلِّ فردٍ من أفراد البعض الثَّاني ولا على معنى جعلنا بعضاً مُبهماً من الأوَّلينَ فتنةً لبعضٍ مُبهمٍ من الآخرين ضرورةَ أنَّ مجموعَ الرُّسل من حيثُ هو مجموعٌ غيرُ مفتونٍ بمجموعِ الأُممِ ولا كلُّ فردٍ منهم بكلِّ فردٍ من الأمم ولا بعض مبهمٌ من الأوَّلين لبعضِ مُبهمٍ من الآخرينَ بل على معنى جعلنا كلَّ بعضً مُعيَّنٍ من الأُمم فتنةً لبعض معَّين من الرُّسلِ كأنَّه قيل : وجعلنا كلَّ أمَّةٍ مخصوصةٍ من الأُممِ الكافرةِ فتنةً لرسولِها المعيَّنِ المبعوثِ إليها وإنَّما لم يُصرِّح بذلك تعويلاً على شهادةِ الحالِ . هذا وأمَّا تعميمُ الخطابِ لجميع المكلَّفين وإبقاء البعضين على العمومِ والإبهامِ على معنى وجعلنا بعضَكم أيُّها فتنةً لبعضٍ آخرَ منكم فيأباهُ قولُه تعالى : { أَتَصْبِرُونَ } فإنَّه غايةٌ للجعلِ المذكورِ ، ومن البيِّنِ أنْ ليسَ ابتلاءُ كلِّ أحدٍ من آحادِ النَّاسِ مُغيًّا بالصَّبرِ بل بما يناسبُ حالَه على أنَّ الاقتصارَ على ذكرهِ من غير تعرّض لمعالٍ له مما يدلُّ على أنَّ الَّلائقَ بحال المفتونينَ والمتوقع صدورُه عنهم هو الصَّبرُ لا غيرُ ، فلا بُدَّ أنْ يكونَ المرادُ بهم الرُّسلَ فيحصل به تسليتُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ فالمعنى جرتْ سُنَّتنا بموجب حكمتِنا على ابتلاءِ المُرسلينَ بأممِهم وبمناصبتهم لهم العداوةَ وإيذائهم لهم وأقاويلِهم الخارجةِ عم حُدودِ الإنصاف لنعلمَ صبرَكم . وقوله تعالى : { وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً } وعدٌ كريم للرَّسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بالأجرِ الجزيلِ لصبرِه الجميلِ مع مزيدِ تشريفٍ له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بالالتفاتِ إلى اسمِ الرَّبِّ مُضافاً إلى ضميرِه صلى الله عليه وسلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.