الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{إِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ} (1)

{ إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ } على من عاداك وناوءك { وَالْفَتْحُ } قال يمان : فتح المدائن والقصور ، وقال عامة المفسرين : فتح مكة ، وكانت قصته على ما ذكره محمد بن إسحاق بن بشار والعلماء من أصحاب الأخبار : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صالح قريش عام الحديبية كان فيما اشترطوا أنه من أحب أن يدخل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقده دخل فيه ، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه ، فدخلت بنو بكر في عقد قريش ، ودخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان بينهما شرّ قديم ، وكان السبب الذي هاج ما بين بكر وخزاعة أن رجلا من بلحضرمي يقال له مالك بن عماد خرج تاجراً ، فلما توسّط أرض خزاعة عدوا عليه فقتلوه ، فعدت خزاعة قبيل الإسلام على بني الأسود بن رزين الديلي- وهم من أشراف بكر- فقتلوه بعرفة عند أنصاب الحرم ، فبينا بكر وخزاعة على ذلك من الشر حجز بينهم الإسلام وتشاغل الناس به ، فلما كان صلح الحديبيّة ووقعت تلك الهدنة اغتنمها بنو الديل من بني بكر من خزاعة ، وأرادوا أن يصيبوا منهم بأؤلئك النفر الذين أصابوا منهم بني الأسود بن رزين ، فخرج نوفل بن معونة الديلي في بني الديل ، وهو يومئذ قائدهم حتى بيّت خزاعة وهم على الوتير ماء لهم بأسفل مكة ، فأصابوا منهم رجلا ، وتحاوروا واقتتلوا ، ورفدت قريش بني بكر بالسلاح ، وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفياً حتى جاوزوا خزاعة الى الحرم ، وكان ممن أعان من قريش بني بكر على خزاعة ليلتين بأنفسهم مشتكرين صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو ومع عبيدهم ، قالوا : فلما انتهوا الى الحرم قالت بنو بكر : يانوفل ، إنا دخلنا الحرم ، إلهك إلهك ، فقال كلمة عظيمة : إنه لا إله اليوم ، [ يا بني بكر ] أصيبوا ثأركم فيه ، فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم ، أفلا تصيبون ثأركم فيه .

فلما دخلت خزاعة مكة لجأوا إلى دار بديل بن ورقاء الخزاعي ، ودار مولى لهم يقال له : رافع ، فلما تظاهرت قريش على خزاعة ، وأصابوا منهم ما أصابوا ، ونقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد لما استحلّوا من خزاعة ، وكانوا في عقدة ، خرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان ذلك مما هاج فتح مكة ، فوقف عليه -وهو في المسجد جالس بين ظهراني الناس- فقال لهم : إني بايعت محمدا ، ً وذكر الأبيات -كما ذكرتها في سورة التوبة- إلى قوله :

*هم بيتونا بالوتير هجّدا * فقتلونا ركعاً وسجدا*

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد نصرت يا عمرو بن سالم " ، ثم عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم عنان من السماء فقال : " إن هذه السحابة لتستهلّ بنصر بني كعب " [ وأمر رسول الله الناس بالجهاز وكتمهم مخرجه ] " .

وقد قال حسن : بلغه إسلام أم هاني بنت أبي طالب واسمها هند :

أشاقتك هند أم أتاك سؤالها *** كذاك النوى أسبابها وانفتالها

القصيدة .

قال ابن إسحاق : وكان جميع من شهد فتح مكة من المسلمين عشرة آلاف : من بني غفار أربعمائة ، ومن أسلم أربعمائة ، ومن مزينة ألف ، ومن بني سلم سبعمائة ، ومن جهينة ألف وأربعمائة رجل ، وسائرهم من قريش والأنصار وحلفائهم وطوائف العرب من تميم وقيس واسد .

قالوا : وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان ، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد فتحها خمس عشر ليلة يقصر الصلاة ، ثم خرج الى هوازن وثقيف وقد نزلوا حنين .