الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وهي سبعة وأربعون حرفاً ، وخمس عشر كلمة ، وأربع آيات .

أخبرنا الإمام أبو بكر محمد بن الحسن الأصبهاني بقرائتي عليه قال : أخبرنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس قال : حدّثنا يونس بن حبيب قال : حدّثنا أبو داود الطيالسي قال : حدّثنا شعبة ، عن قتادة قال : سمعت سالم بن أبي الجعد يحدث ، عن معد ابن أبي طلحة ، عن أبي الدرداء ، أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : " أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة " ؟ قلت : يارسول الله ومن يطيق ذاك ؟ قال : " اقرؤوا( قل هو الله أحد ) " .

وأخبرني أبو عبد الله الحسين محمد بن الفرج قال : حدّثنا محمد بن الزيرقان قال : حدّثنا مروان بن سالم ، عن أبي عمر مولى جرير بن عبد الله قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " من قرأ حين يدخل منزله نفت الفقر عن أهل ذلك المنزل والجيران " .

وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن صقلاب قال : حدّثنا ابن أبي الخصيب قال : حدّثني أبي قال : حدّثنا سعيد بن المغيرة قال : حدّثنا محمد بن مروان ، عن أبان ، عن أنس قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " من قرأ( قل هو الله أحد )مرة بورك عليه ، ومن قرأها مرّتين بورك عليه وعلى أهله ، فإن قرأها ثلاث مرات بورك عليه وعلى أهله وعلى جميع جيرانه ، فن قرأها اثنتي عشر مرة بنى له اثنتي عشر قصراً في الجنة ، ويقول الحفظة : انطلقوا بنا ننظر إلى قصر أخينا ، فإن قرأها مائة كفّر عنه ذنوب خمس وعشرين سنة ما خلا الدماء والأموال ، فإن قرأها أربع مائة مرة كفّرت عنه ذنوب أربعمائة سنة ما خلاء الدماء والأموال ، فإن قرأها ألف مرة لم يمت حتى يرى مكانه في الجنة أو يرى له " .

وأخبرنا أبو عمر وأحمد بن أبي الفراتي قال : حدّثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب قال : حدّثنا عبد الله بن جامع الحلواني قال : حدّثنا محمد بن العباس قال : حدّثنا عمر بن سعد العطار الفلزمي قال : حدّثنا ابن أبي ذئب قال : حدّثنا محمد بن غيلان ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فشكا إليه الفقر وضيق المعاش فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " إذا دخلت بيتك فسلم إن كان فيه أحد ، وإن لم يكن فيه أحد فسلّم عليّ ، وأقرأ( قل هو الله أحد )مرة واحدة " ، ففعل الرجل ، فأدرّ الله عليه رزقاً حتى أفاض على جيرانه .

وأخبرنا أبو الحسين عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم بن يحيى قال : حدّثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد بن بشر قال : حدّثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني قال : حدّثنا يزيد بن هارون قال : حدّثنا العلاء أبو محمد الثقفي قال : سمعت أنس بن مالك قال : كنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بتبوك ، فطلعت الشمس بضياء وشعاع ونور لم أرها طلعت فيما مضى ، فأتى جبريل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : " يا جبريل ، مالي أرى الشمس اليوم طلعت بضياء ونور وشعاع لم أرها طلعت فيما مضى " ؟ فقال : ذاك أن معاوية بن معاوية الليثي مات بالمدينة اليوم ، فبعث الله سبحانه إليه سبعين ألف ملك يصلّون عليه . قال : " وفيم ذاك " ؟ قال : كان يكثر قراءة( قل هو الله أحد ) بالليل والنهار ، وفي ممشاه وقيامه وقعوده ، فهل لك يارسول الله أن أقبض لك الأرض فتصلي عليه . قال : " نعم " فصلى عليه ثم رجع .

وأخبرنا أحمد بن أبي قال : حدّثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب قال : حدّثنا محمد بن عيسى بن يزيد قال : حدّثنا سليمان بن داود المنقري قال : حدّثنا عبد العزيز بن محمد ، عن عبد الله بن عمر ، عن ثابت البناني ، عن أنس بن مالك ، أن رجلا كان يصلي على عهد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فكان لا يقرأ في الصلاة إلا قرأ في أثرها( قل هو الله أحد ) ، فذكر ذلك لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " ما حملك على لزومها " ؟ فقال : يارسول الله ، إني أحبها . فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " حبك إياها يدخلك الجنة " .

وأخبرنا ناقل بن راقم بن أحمد البابي قال : حدّثنا علي بن الحسن بن بختيار قال : حدّثنا أبو إبراهيم القطان قال : حدّثنا عثمان بن عبد الله القرشي قال : حدّثنا سلمة بن سنان ، عن محمد بن المنكدر أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : " نزل ملك من السماء السابعة ، وخرج من الأرض السابعة ملك/ فالتقيا على هذه الأرض ، فقال الذي نزل من السماء : قد رفعت اليوم عملا لم أرفع مثله ، قال الذي خرج من تحت الأرض : ما ذاك ؟ قال : قرأ رجل( قل هو الله أحد ) مائة مرة . قال : ما صُنع به ؟ قال : غفر الله له " .

وأخبرني محمد بن القاسم قال : حدّثنا محمد بن يزيد قال : حدّثنا أبو يحيى البزاز قال : حدّثنا محمد بن الأزهر قال : حدّثنا أبو عامر العقدي ، عن مالك بن أنس ، عن عبد الله بن عبد الرحمن ، عن ابن جبير ، عن أبي هريرة ، أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) سمع رجلا يقرأ( قل هو الله أحد ) فقال : " وجبت " . قيل : يارسول الله ، وما وجبت ؟ قال : " وجبت له الجنة " .

وأخبرني محمد بن القاسم قال : حدّثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن الدشت قال : حدّثنا أحمد بن محمد بن الحسن بن قريش قال : حدّثنا معاذ بن يوسف التاجر قال : حدّثنا مُسدد بن مُسرهد قال : حدّثنا حمدان بن رزام قال : حدّثنا محمد بن عبد الله ، عن مالك بن دينار ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " من قرأ( قل هو الله أحد ) مرة واحدة أعطاه الله من الثواب ما يحمل ثوابه سبعين قنطاراً من ياقوت ، فيفوح منه الروح ، يحملون كتبه كتباً واحداً أشد تقرطاً من شعر الزنجي ، وأرق من الشعر " .

وأخبرني محمد بن القاسم قال : حدّثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن جعفر قال : أخبرنا أبو حسان العثماني قال : حدثنا أحمد بن عبد الرحمن قال : حدثنا عمي عبد الله بن وهب قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن مكحول ، عن عبد الرحمن بن غنم ، عن أبي بن كعب قال : سئل النبي ( عليه السلام ) عن ثواب( قل هو الله أحد ) فقال : " من قرأ ( قل هو الله أحد ) تناثر الخير على مفرق رأسه من عنان السماء ، ونزلت عليه السكينة ، وتغشّاه الرحمن ، وازدوي حول العرش ، ونظر الله سبحانه إلى قارئها ، فلا يسأله شيء إلا أعطاه إياه ، ويجعله فى كلائه وحرزه " .

{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } أخبرنا الشيخ أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المزكى قال : أخبرنا الإمام أبو بدر محمد بن إسحاق بن خزيمة قال : حدثنا أحمد بن منيع ومحمود بن خداش قالا : حدثنا أبو سعد الصغاني قال : حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أُبي بن كعب أن المشركين قالوا لرسول الله ( عليه السلام ) : انسب لنا ربك ، فأنزل الله سبحانه { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } إلى آخر السورة .

وروى أبو ضبيان وأبو صالح عن ابن عباس " أن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عامر : إلى ما تدعونا يا محمد ؟ قال : " إلى الله سبحانه " ، فقالا : صفه لنا ، أذهب هو أم فضة أم حديد أم من خشب ؟ فنزلت هذه السورة ، فأرسل الله سبحانه الصاعقة إلى أربد فأحرقته ، وطعن عامر في خنصره فمات ، " وقد ذكرت قصتهما في سورة الرعد .

وقال الضحاك وقتادة ومقاتل : " جاء ناس من أحبار اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد ، صف لنا ربّك لعلنا نؤمن بك ، فإن الله أنزل نعته في التوراة ، فأخبرنا به من أي شيء هو ؟ من أي جنس ؟ أمن ذهب هو أو نحاس أم صفر أم حديد أم فضة ؟ وهل يأكل ويشرب ؟ وممّن ورث الدنيا ؟ ومن يورثها ؟ فأنزل الله سبحانه هذه السورة " وهي نسبة الله خاصة .

وأخبرني عقيل أن أبا فرج البغدادي أخبرهم ، عن أبي جعفر الطرفي قال : حدّثنا ابن حميد قال : حدّثنا سلمة قال : حدّثني ابن إسحاق ، عن محمد بن سعيد قال : " أتى رهط من اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم قالوا : يا محمد ، هذا الله خلق الخلق فمن خلقه ؟ فغضب النبي حتى امتقع لونه ، ثم ساورهم غضباً لربه ، فجاءه جبرائيل فسكّنه وقال : اخفض عليك جناحك يا محمد ، وجاءه من الله سبحانه بجواب ما سألوه :{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } السورة ، فلما تلا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا له : صف لنا ربك كيف خلق ؟ وكيف عضده وذراعه ؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم أشد من غضبه الأوّل وساورهم ، فأتاه جبرائيل فقال له مثل مقالته ، وأتاه بجواب ما سألوه :{ وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } [ الزمر : 67 ] " .

وقال الضحاك عن ابن عباس : " إنَّ وفد نجران قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة أساقفة من بني الحرث بن كعب ، فيهم السيد والعاقب ، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : صف لنا ربك من أي شيء هو ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنَّ ربي ليس من شيء ، وهو بائن من الأشياء " ، فأنزل الله سبحانه { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } أي واحد " .

ولا فرق بين الواحد والأحد عند أكثر أصحابنا ، يدل عليه قراءة عبد الله { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } [ . . . . . . . ] .

وفرق قوم بينهما ، فقال بعضهم : الواحد للفصل ، والأحد للغاية ، وقيل : واحد بصفاته ، أحد بذاته ، وقيل : إنَّ الواحد يدلّ على أزليته وأوّليته ؛ لأنَّ الواحد في الأعداد ركنها وأصلها وميدانها ، والأحد يدل على بينونته من خلقه في جميع الصفات ، ونفي أبواب الشرك عنه ، فالأحد بني لنفي ما يذكر معه من العدد ، والواحد اسم لمفتتح العدد ، فأحد صلح في الكلام في موضع الجحود ، والواحد في موضع الإثبات ، تقول : لم يأتني منهم أحد ، وجاءني منهم واحد ، فالمعنى أنه لم يأتني اثنان . وقال ابن الأنباري : أجد في الأصل واحدا ، كما قالوا للمرأة أناة ، والأصل ونأة من الوني ، وهو الفتور ، قال الشاعر :

رمته أناة من ربيعة عامر *** نؤوم الضحى في مأتم أي مأتم

وقال النابغة في الواحد :

كأن رحلي وقد زال النهار بنا *** بذي الجليل على مستأنس وحد

سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول : سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز يقول : سمعت ابن عطاء يقول في قوله سبحانه { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } : هو المنفرد بإيجاد المفقودات ، والمتحّد بأظهار الخفيّات .

وقراءة العامة { أَحَدٌ } بالتنوين ، وقرأ الحسن ونصر بن عاصم وابن إسحاق وأبان بن عثمان وهارون بن عيسى { أَحَدٌ * اللَّهُ } بلا تنوين طلباً للخفة ، وفراراً من التقاء الساكنين ، كقراءة من قرأ{ عُزَيْرُ ابْنُ اللَّهِ } [ التوبة : 30 ] بغير تنوين .