الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وهي سبعة وسبعون حرفاً ، وعشرون كلمة ، وخمس آيات .

أخبرنا الحراثي قال : حدّثنا أبو الشيخ الحافط قال : حدّثنا إبراهيم بن شريك قال : حدّثنا أحمد بن يونس قال : حدّثنا سلام بن سليم قال : حدّثنا هارون بن كثير ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن أبي أمامة ، عن أُبيّ بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ سورة تبّت رجوت أن لا يجمع الله سبحانه بينه وبين أبي لهب في دار واحدة " .

{ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } .

أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا مكي قال : حدثنا عبد الله بن هاشم قال : حدثنا عبد الله بن نمير قال : حدّثنا الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : " لما أنزل الله سبحانه : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } [ الشعراء : 214 ] أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا فصعد عليه ثم نادى : " يا صباحاه " ، فاجتمع إليه الناس بين رجل يجيء ، وبين رجل يبعث رسوله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا بني عبد المطلب ، يا بني فهر ، يا بني عدي ، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذ الجبل يريد أن تغير عليكم صّدقتموني ؟ " قالوا : نعم ، قال : " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " ، فقال أبو لهب : تباً لكم سائر هذا اليوم ، وما دعوتموني إلا لهذا ؟ فأنزل { تَبَّتْ } " أي خابت وخسرت ، { يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } أي تب هو ، أخبر عن يديه ، والمراد به نفسه ، على عادة العرب في التعبير ببعض الشيء عن كلّه ، كقوله سبحانه :{ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [ الشورى : 30 ] و{ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } [ البقرة : 95 ] ونحوها ، وقيل : اليد صلة ، يقول العرب : يد الدّهر ، ويد الرزايا والمنايا ، قال الشاعر :

لما أكبّت يد الرزايا *** عليه نادى ألا مجير

وقيل : المراد به ماله وملكه ، يقال : فلان قليل ذات اليد ، يعنون به المال .

والتباب الخسار والهلاك ، سمعت أبا القاسم الحبيبي يقول : سمعت محمد بن مسعود السوري قال : سمعت نفطويه قال : سمعت المنقري ، عن الأصمعي ، عن أبي عمرو بن العلاء قال : لما قتل عثمان رضي الله عنه سمعوا صوت هاتف من الجن يبكي :

لقد خلّوك وانصرفوا *** فما عطفوا ولا رجعوا

ولم يوفوا بنذرهم *** فتبّاً للذي صنعوا

وأبو لهب هو ابن عبد المطلب ، واسمه عبد العزى ، فلذلك لم يسمّه ، وقيل : اسمه كنيتة ، قال : مقاتل كنّي أبا لهب لحسنه وإشراق وجهه ، وكانت وجنتاه كأنهما تلتهبان .

{ وَتَبَّ } أبو لهب ، الواو فيه واو العطف ، وقرأ عبد الله وأُبي ( وقد تب ) ، فالأول دعاء ، والثاني كما يقال : غفر الله لك ، وقد فعل ، وأهلكه الله ، وقد فعل ، والواو فيه واو الحال .

وقراءة العامة { أَبِي لَهَبٍ } بفتح الهاء ، وقرأ أهل مكة بجزمها ، ولم يختلفوا في قوله : { ذَاتَ لَهَبٍ } أنه مفتوح الهاء ؛ لأنهم راعو فيه روس الأي .

أخبرنا الحسين بن محمد قال : حدّثنا السني قال : حدّثنا حامد بن محمد بن شعيب البلخي قال : حدّثنا شريح بن يونس قال : حدّثنا هشيم قال : أخبرنا منصور ، عن الحكم ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس قال : لما خلق الله القلم قال : اكتب ما هو كائن ، فكتب ، فمما كتب : { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } .

وأخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن قال : أخبرنا أبو الطيب محمد بن عبد الله بن المبارك الثعيري قال : حدّثنا محمد بن أشرس السلمي قال : حدّثنا عبد الصمد بن حسان المروِّ الروذيّ ، عن سفيان ، عن منصور قال : سئل الحسن عن قوله : { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } هل كان في أم الكتاب ، وهل كان يستطيع أبو لهب أن لا يصلى النار ؟ فقال الحسن : والله ما كان يستطيع أن لا يصليها ، وإنها لفي كتاب الله قبل أن يخلق أبو لهب وأبواه .

ويؤيد هذا ما أخبرنا أبو طاهر بن خزيمة في شعبان سنة أربع وثمانين وثلاثمائة قال : أخبرنا جدّي إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة قال : حدّثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا معاوية بن عمرو قال : حدثنا زائدة ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " احتج آدم وموسى ، فقال موسى : يا آدم أنت الذي خلقك الله سبحانه بيده ، ونفخ فيك من روحه ، أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة ، فقال آدم : وأنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه ، تلومني على عمل أعمله كتبه الله عليّ قبل أن يخلق السموات والأرض ، قال : فحج آدم موسى " .

وأخبرنا محمد بن الفضل قال : أخبرنا جدي قال : حضر مجلس إسحاق بن إبراهيم ، وأنا على نمير الركاب ، فقرأ علينا قال : أخبرنا النظر بن شميل قال : حدّثنا حماد بن سلمة ، عن عمار ابن أبي عمار مولى بني هاشم ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لقي موسى آدم فقال : أنت آدم الذي خلقك الله بيده ، وأسجد لك ملائكته ، وأسكنك جنته ، فأخرجت ولدك من الجنة ، قال له : يا موسى ، أنت الذي اصطفاك برسالته وكلّمك ، فأنا أقدم أم الذكر ؟ قال : الذكر ، فحجّ آدم موسى ، فحج آدم موسى " .

وأخبرنا محمد بن الفضل قال : أخبرنا جدّي قال : حدّثنا عبد الله بن محمد الزهري قال : حدّثنا سفيان قال : حدّثنا أبو الزياد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " احتج آدم وموسى ، فقال موسى : يا آدم ، أنت أبونا خيّبتنا ، وأخرجتنا من الجنة . قال آدم : ياموسى ، اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده ، أتلومني على أمر قدّره الله تعالى قبل أن يخلقني بأربعين سنة ، فحج آدم موسى ، فحج آدم موسى " .