الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{فِي جِيدِهَا حَبۡلٞ مِّن مَّسَدِۭ} (5)

{ فِي جِيدِهَا } عنقها ، قال ذو الرمة :

فعينك عينها ، ولونك لونها *** وجيدك إلا أنها غير عاطل

وجمعها أجياد ، قال الأعمش :

وبيداء تحسب آرامها *** رجال إياد بأجيادها

{ حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } أختلفوا فيه ، فقال ابن عباس وعروة بن الزبير : سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعاً ، يدخل من فيها فيخرج من دبرها ، ويلوى سائرها في عنقها . وقال السدي : حلق الحديد ، وهي السلسلة تختلف في جهنم كما يختلف الحبل والدلو في البئر . وروى الأعمش عن مجاهد : من حديد . منصور عنه : المسد : الحديدة التي تكون في البكرة ، ويقال له : المحور ، وإليه ذهب عطاء وعكرمة . الشعبي ومقاتل : من ليف . الضحاك وغيره : في الدنيا من ليف ، وهو الحبل الذي كانت تحطب به ، فخنقها الله تعالى به فأهلكها ، وفي الآخرة من نار . قتادة : قلادة من ردع . الحسن : إنما كانت خرزات في عنقها . سعيد بن المسيب : كانت لها قلادة في عنقها فاخرة ، فقالت : لأنفقها في عداوة محمد . ابن زيد : حبال من شجر ينبت في اليمن يقال لها : المسد ، وكانت تفتل المروج من شهر الحرم والسلم ، والمسد في كلام العرب كل حبل غيروا أمر ليفاً كان أو غيره ، وأصله من المسد وهو الفتل ، ودابة ممسودة الخلق إذا كانت شديدة الأسر ، قال : الشاعر :

مسد أمر من أيانق *** ليس بأنياب ولا حقائق

وجمعها أمساد ، قال : الأعشى :

تمسي فيصرف بابها من دوننا *** غلقاً صريف محالة الأمساد

وسمعت أبا القاسم الحسن بن محمد النيسابوري يقول : سمعت أبا نصر أحمد بن محمد بن ملجان البصري يقول : سمعت بشر بن موسى الأسدي يقول : سمعت الأصمعي يقول : صلّى أربعة من الشعراء خلف إمام اسمه يحيى ، فقرأ{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } [ الإخلاص : 1 ] فيتعتع فيها ، فقال أحدهم :

أكثر يحيى غلطاً *** في { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }

فقال الثاني :

قام طويلا ساكتاً *** حتى إذا أعيا سجد

فقال الثالث :

يزجر في محرابه *** زجير حبلى لولد

فقال الرابع :

كأنّما لسانه *** شدّ بحبل من مسد

وفي هذه السورة دلالة واضحة على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن الله سبحانه أخبر عن مصير أبي لهب وامرأته الى النار ، وكانا من أحرص الناس على تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يحملهما ذلك على إظهار الإيمان حتى يكذبا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ بل داما على كفرهما حتى علم أن وعيد الله سبحانه إياهما وإخباره عن مصيرهما إلى النار حق وصدق .