الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَإِذَآ أَرَدۡنَآ أَن نُّهۡلِكَ قَرۡيَةً أَمَرۡنَا مُتۡرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيۡهَا ٱلۡقَوۡلُ فَدَمَّرۡنَٰهَا تَدۡمِيرٗا} (16)

{ وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا } .

قرأ عثمان النهدي وأبو رجاء العطاردي وأبو العالية [ وأبو جعفر ] ومجاهد : أمّرنا بتشديد الميم أيّ خلطنا [ شرارها ] فعصوا فيها ، فإذا فعلوا ذلك أهلكتهم .

وقرأ الحسن وقتادة وأبو حياة الشامي ويعقوب : أمرنا ممدودة أي أكثرنا .

وقرأ الباقون : بكسر الميم ، أي أمرناهم بالطاعة فعصوا ، ويحتمل أن يكون بمعنى جعلناهم أمراً لأن العرب تقول أمر غير مأمور أي غير مؤمر ، ويجوز أن يكون بمعنى أكثر مايدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم " خير المال مهرة مأمورة أو سكة مأبورة " أراد بالمأمورة كثرة النسل ويقال للشيء الكثير : أمر ، والفعل منه أمر يأمرون أمراً إذا كثروا .

وقال لبيد :

كل بني حرة مصيرهم *** قل وإن أكثرت من العدد

إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا ، يوماً يصيروا للهلك والنفذ

وإختاره أبو عبيد وأبو حاتم وقرأه العامّة .

وقال أبو عبيد : إنما إخترنا هذه القراءة ، لأن المعاني الثلاثة تجتمع فيها يعني الأمر والأمارة والكثرة ، { مُتْرَفِيهَا } [ . . . . . . . . . . . ] وهم أغنياؤها ورؤساءها { فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ } يوجب عليها العذاب { فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً } فجزيناهم [ وأهلكناهم إهلاكاً بأمر فيه أُعجوبة ] .

روى معمر عن الزهري قال : " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما على [ زينب ] وهو يقول : " لا إله إلاّ الله ويلٌ للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه " قالت : يارسول الله أنهلك وفينا الصالحون ، قال : " نعم إذا كثر الخبث " " .