الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِذَآ أَرَدۡنَآ أَن نُّهۡلِكَ قَرۡيَةً أَمَرۡنَا مُتۡرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيۡهَا ٱلۡقَوۡلُ فَدَمَّرۡنَٰهَا تَدۡمِيرٗا} (16)

ثم قال تعالى : { وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها } [ 16 ] .

قرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبو عثمان النهدي وأبو العالية أمرنا مشددا وكذلك روي عن أبي عمرو {[40632]} . وقرأ الحسن والأعرج وابن أبي إسحاق وخارجة عن نافع بالمد {[40633]} . وقراءة الجماعة بالقصر والتخفيف {[40634]} .

ومعناها : عند ابن عباس : أمرنا إشراف أهلها بالطاعة ففسقوا فيها {[40635]} .

وقيل : " المترفون " هنا الفسقة . وقيل : هم المستكبرون . والفاسق والمستكبر إذا أمر عصا فيحق عليه القول بعصيانه .

وعن قتادة : أن معنى " أمرنا " أكثرنا {[40636]} .

وقال الكسائي : يجوز أن يكون " أمرنا " من الإمارة ، كالمشددة {[40637]} ، وأنكر أن يكون / بمعنى أكثرنا . قال : ولا يقال [ أمرنا {[40638]} ] بمعنى أكثرنا إلا بالمد {[40639]} . وقد حكى أبو زيد وأبو عبيد {[40640]} " أمرنا " مقصورا ، بمعنى أكثرنا . ويقوي هذا التأويل الذي رده الكسائي أن الحديث : " خير المال سكة مأبورة {[40641]} {[40642]} ومهرة {[40643]} مأمورة {[40644]} . فالسكة المأبورة {[40645]} النخل المصلح . والمهرة {[40646]} المأمورة الكثيرة النتاج . وهي من أمر {[40647]} .

فأما من قرأ بالتشديد ، قال ابن عباس معناه سلطنا {[40648]} ، أي : جعلنا لهم إمرة وسلطانا ففسقوا . والمترفون {[40649]} هنا الإشراف {[40650]} .

ويجوز أن يكون بمعنى : أكثرنا ، قاله : الكسائي وغيره .

فأما من قرأ بالمد ، فمعناه أكثرنا {[40651]} عددهم ونساءهم {[40652]} . يقال : أمر بنو فلان أمرا إذا كثر عددهم ، والإمر منه الاسم ومنه قوله تعالى : { لقد جئت شيئا إمرا } {[40653]} أي : عظيما .

وقوله : { ففسقوا فيها } [ 17 ] .

أي : فخالفوا أمر الله [ سبحانه {[40654]} ] { فحق عليها القول } [ 17 ] {[40655]} أي : وجب عليها وعد الله [ عز وجل ] {[40656]} الذي وعد من عصاه [ به {[40657]} ] { فدمرناها تدميرا } [ 17 ] أي : خربناها تخريبا وأهلكنا من فيها هلاكا {[40658]} .


[40632]:انظر: هذه القراءة في معاني الفراء 2/119، وغريب القرآن 253 وجامع البيان 15/55، والسبعة 379، وشواذ القرآن 79، وأحكام ابن العربي 3/1196 والمحرر 10/271 والجامع 10/152 والدر 5/255.
[40633]:انظر: هذه القراءة في معاني الفراء 2/119، وغريب القرآن 253، وجامع البيان 15/55، ومعاني الزجاج 3/231، والسبعة 379، وأحكام ابن العربي 3/1196 والجامع 10/152 والدر 5/55.
[40634]:انظر: هذه القراءة في معاني الفراء 2/119، وجامع البيان 15/54 ومعاني الزجاج 3/231، وأحكام ابن العربي 3/1196.
[40635]:وهو قول ابن جبير أيضا، انظر: جامع البيان 15/55 والمحرر 10/271.
[40636]:وهو قول الحسن أيضا انظر: جامع البيان 15/56 والمحرر 10/271 والجامع 10/153.
[40637]:ق: "كالمشرد" ط: "كالمشدة" ولعل الصواب ما أثبتته بأن يكون المعنى أنها كالقراءة بالتشديد.
[40638]:ساقط من ط.
[40639]:انظر: قوله في الجامع 10/153.
[40640]:هو سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري: أحد أئمة الأدب واللغة، من أهل البصرة ولد سنة 119، وتوفي بالبصرة سنة 215هـ، قال ابن الأنباري كان سيبويه إذا قال سمعت الثقة عنى أبا زيد. وله تصانيف كثيرة. انظر: ترجمته في تاريخ بغداد 9/77، ووفيات الأعيان2/378، وأنباه الرواة 2/30 والأعلام 3/92.
[40641]:ط: مأبوزة".
[40642]:ط: أو.
[40643]:ط: "تصورت" كذا.
[40644]:الحديث أخرجه أحمد في المسند 3/468 عن سويد بن هبيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير مال المرء له مهرة مأمورة أو سكة مأبورة" وفي مجاز القرآن 1/372 جاء الحديث على أنه من كلام العرب. وانظر: أيضا غريب القرآن 253، وجامع البيان 15/55 ومعاني الزجاج 3/232 والجامع 10/152.
[40645]:ساقط من ق.
[40646]:ط: "الهمزة".
[40647]:انظر: هذا التفسير في مجاز القرآن 1/372، وغريب القرآن 253 والجامع 10/153.
[40648]:انظر: قوله في معاني الفراء 2/119، وجامع البيان 15/55.
[40649]:ق: "فالمترفون".
[40650]:ط: "الإشراف هنا" وهو قول الزجاج، انظر: معاني الزجاج 3/232.
[40651]:ط: زاد: "أكثرنا أمرنا مقصورا بمعنى أكثرنا عددهم ..." وهو سهو من الناسخ بسبب انتقال النظر: إلى ما حكى أبو زيد وأبو عبيد من قبل.
[40652]:ط: نساؤهم.
[40653]:الكهف: 71.
[40654]:ساقط من ق.
[40655]:ق: "عليهم".
[40656]:ساقط من ق.
[40657]:ساقط من ق.
[40658]:وهو تفسير ابن جرير، انظر: جامع البيان 15/57.