التفسير الصحيح لبشير ياسين - بشير ياسين  
{وَإِذَآ أَرَدۡنَآ أَن نُّهۡلِكَ قَرۡيَةً أَمَرۡنَا مُتۡرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيۡهَا ٱلۡقَوۡلُ فَدَمَّرۡنَٰهَا تَدۡمِيرٗا} (16)

قوله تعالى { وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا }

أخرج مسلم بسنده عن زينب بنت جحش أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ وهو يقول : " لا إله إلا الله " ، ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه " . وعقد سفيان بيده عشرة قلت : يا رسول الله ! أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم ، إذا كثر الخبث " .

( الصحيح-الفتن وأشراط الساعة ، ب اقتراب الفتن-رقم 2880 ) .

قل الشيخ الشنقيطي : في هذه الآية الكريمة سؤال معروف ، وهو أن يقال : أن الله أسند الفسق فيها لخصوص المترفين دون غيرهم في قوله : { أمرنا مترفيها ففسقوا فيها } مع أنه ذكر عموم الهلاك للجميع المترفين وغيرهم في قوله { فحق عليها القول فدمرناها تدميرا } يعني القرية ولم يستثن منها غير المترفين ؟ والجواب من وجهين :

الأول : أن غير المترفين تبع لهم ، وإنما خص بالذكر المترفين الذين هم سادتهم وكبراؤهم لأن غيرهم تبع لهم كما قال تعالى : { وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا } وكقوله { إذ تبرأ الذين اتُبعوا من الذين اتَبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب } الآية ، وقوله : { حتى إذا ادّاركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولادهم ربنا هؤلاء أضلونا } الآية ، وقوله تعالى { وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء } الآية .

وقوله : { وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار } ، إلى غير ذلك من الآيات .

الوجه الثاني : أن بعضهم من عصى الله وبغى وطغي ولم ينههم الآخرون فإن الهلاك يعم الجميع كما قال تعالى : { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } ثم استشهد بحديث زينب المتقدم .

وأخرج الطبري بسنده الجيد من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : { أمرنا مترفيها } يقول : سلطنا أشرارها فعصوا فيها ، فإذا فعلوا ذلك أهلكتهم بالعذاب ، وهو قوله { وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها } .

وأخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالإسناد الصحيح عن مجاهد : { أمرنا مترفيها } بعثنا .

وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة بلفظ : أكثرنا .

وأخرج البخاري بسنده عن ابن مسعود قال : " كنا نقول للحي إذا كثروا في الجاهلية : أُمِرَ بنو فلان .

( الصحيح ح4711-التفسير ، ب { وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها } .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله : { وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول } يقول : أكثرنا مترفيها : أي جبابرتها ، ففسقوا فيها وعملوا بمعصية الله { فدمرناها تدميرا } وكان يقال : إذا أراد الله بقوم صلاحا ، بعث عليهم مصلحا ، وإذا أراد بهم فسادا بعث عليهم مفسدا ، وإذا أراد أن يهلكها أكثر مترفيها .