النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَإِذَآ أَرَدۡنَآ أَن نُّهۡلِكَ قَرۡيَةً أَمَرۡنَا مُتۡرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيۡهَا ٱلۡقَوۡلُ فَدَمَّرۡنَٰهَا تَدۡمِيرٗا} (16)

قوله عز وجل : { وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها . . } الآية . في قوله : { وإذا أردنا أن نهلك قرية } ثلاثة أقاويل :أحدها : معناه إذا أردنا أن نحكم بهلاك قرية . والثاني : معناه وإذا أهلكنا قرية ، وقوله : { أردنا } صلة زائدة كهي في قوله تعالى :{ جداراً يريد أن ينقض }[ الكهف : 77 ] الثالث : أنه أراد بهلاك القرية فناء خيارها وبقاء شرارها .

{ أمرنا مترفيها } الذي عليه الأئمة السبعة من القراء أن أمرنا مقصور مخفف ، وفيه وجهان :أحدهما : أمرنا مترفيها بالطاعة ، لأن الله تعالى لا يأمر إلا بها ، { ففسقوا فيها } أي فعصوا بالمخالفة ، قاله ابن عباس . الثاني : معناه : بعثنا مستكبريها ، قاله هارون ، وهي في قراءة أبيِّ : بعثنا أكابر مجرميها . وفي قراءة ثانية : { أمّرنا مترفيها } بتشديد الميم ، ومعناه جعلناهم أمراء مسلطين ، قاله أبو عثمان النهدي . وفي قراءة ثالثة { آمَرْنا مُترفيها } ممدود ، ومعناه أكثرنا عددهم ، من قولهم آمر القوم إذا كثروا ، لأنهم مع الكثرة يحتاجون إلى أمير يأمرهم وينهاهم ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم " خير المال مهرة أو سُكة مأبورة " أي كثيرة النسل ، وقال لبيد :

إن يغبطوا يهبطوا وإن أمِروا  ***   يوماً يصيروا إلى الإهلاك والنكد

وهذا قول الحسن وقتادة . وفي { مترفيها } ثلاثة تأويلات : أحدها جباروها ، قاله الحسن{[1785]} . الثاني : رؤساؤها ، قاله علي بن عيسى . الثالث : فساقها ، قاله مجاهد{[1786]} .


[1785]:في ق: قاله الطبري ولا تعارض بينهما إذ يمكن أن يكون قول الاثنين.
[1786]:سقط من ق.