الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَتَحۡسَبُهُمۡ أَيۡقَاظٗا وَهُمۡ رُقُودٞۚ وَنُقَلِّبُهُمۡ ذَاتَ ٱلۡيَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِۖ وَكَلۡبُهُم بَٰسِطٞ ذِرَاعَيۡهِ بِٱلۡوَصِيدِۚ لَوِ ٱطَّلَعۡتَ عَلَيۡهِمۡ لَوَلَّيۡتَ مِنۡهُمۡ فِرَارٗا وَلَمُلِئۡتَ مِنۡهُمۡ رُعۡبٗا} (18)

{ وَتَحْسَبُهُمْ } يا محمد { أَيْقَاظاً } أي منتبهين ، جمع يقِظ ويقَظ مثل قولك : رجل نجِد ونجَد للشجاع ، وجمعه أنجاد ، { وَهُمْ رُقُودٌ } : نيام ، جمع راقد مثل قاعد وقعود ، { وَنُقَلِّبُهُمْ } ، وقرأ الحسن ( ونقْلِبهم ) بالتخفيف ، { ذَاتَ اليَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ } مرّة للجنب الأيمن ومرّة للجنب الأيسر . قال ابن عباس : كانوا ينقلبون في السنة مرة إلى جانب من جانب ، لئلا تأكل الأرض لحومهم . ويقال : إنّ يوم عاشوراء كان يوم تقليبهم . وقال أبو هريرة : كان لهم في كل سنة تقليبان . { وَكَلْبُهُمْ } ، قال ابن عباس : كان أنمر . وقال مقاتل : كان أصفر . وقال القرظي : شدة صفرته تضرب إلى الحمرة . الكلبي : لونه كالخلنج . وقيل : لون الحجر . وقيل : لون السماء . وقال علي ابن أبي طالب ( رضي الله عنه ) : «كان اسمه ريان » . وقال ابن عباس : قطمير . وقال الأوزاعي : نتوى . وقال شعيب الجبائي : حمران . عبد الله ابن كثير : اسم الكلب قطمور . [ قال ] السّدي : نون . عبد الله بن سلام : بُسيط . كعب : أصهب . وهب : نقيا ، وقيل : قطفير .

عن عمر قال : إن مما أُخذ على العقرب ألاّ يضر بأحد في ليله ونهاره : سلام على نوح ، وإن مما أُخذ على الكلب ألاّ يضر من حمل عليه أن يقول : { وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالوَصِيدِ } .

وقرأ جعفر الصّادق ( وكالبهم ) يعني : صاحب الكلب .

{ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالوَصِيدِ } ، قال مجاهد والضّحاك : الوصيد : فِناء الكهف ، وهو رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس . وقال سعيد بن جبير : الوصيد الصعيد ، وهو التراب . وهذه رواية عطية العوفي عن ابن عباس . وقال السّدي : الوصيد الباب ، وهي رواية عكرمة عن ابن عباس ، وأنشد :

بأرض فضاء لا يُسدّ وصيدها *** عليّ ومعروفي بها غير منكر

أي بابها . وقال عطاء : الوصيد : عتبة الباب . وقال القتيبي الوصيد : البناء ، وأصله من قول العرب ، أصدت الباب وأوصدته ، أي أغلقته وأطبقته . { لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً } ؛ لما ألبسهم الله تعالى من الهيئة حتى لا يصل إليهم واصل ، ولا تلمسهم يدُ لامس حتى يبلغ الكتاب أجله ، فيوقظهم الله من رقدتهم لإرادة الله عزّ وجلّ أن يجعلهم آية وعبرة لمن شاء من خلقه ؛ { لِيَعْلَمُواْ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا } [ الكهف : 21 ] .

{ وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً } : خوفاً ، وقرأ أهل المدينة : ( لملّئت ) بالتشديد . وقيل : إنما ذلك من وحشة المكان الذي هم فيه . وقال الكلبي : لأن أعينهم مفتّحة كالمستيقظ الذي يريد أن يتكلم وهم نيام . وقيل : إن الله تعالى منعهم بالرعب لئلاّ يراهم أحد . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : غزونا مع معاوية غزوة المضيق نحو الروم فمررنا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف ، فقال معاوية : لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم قال ابن عباس : ليس ذلك لك ، قد منع الله من هو خير منك ، قال : { لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً } . فقال معاوية : لا أنتهي حتى أعلم علمهم . فبعث ناساً فقال : اذهبوا فانظروا . ففعلوا ، فلمّا دخلوا الكهف بعث الله عز و جّل عليهم ريحاً فأخرجتهم فلم يستطيعوا الاطلاع عليهم من الرعب .