{ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ } أي يُقبضون ويموتون ، وأصل التوفي أخذ الشيء وافياً ، وقرأ علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه بفتح الياء أي يتوفون أعمارهم وأرزاقهم وتوفى واستوفى بمعنى واحد { وَيَذَرُونَ } ويتركون { أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ } فإن قيل : فأين الخبر عن قوله { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ } قيل : هو متروك فإنه لم يقصد الخبر عنهم ، وذلك جائز في الاسم يذكر ويكون تمام خبره في اسم آخر ، أن يقول الأول ويخبر عن الثاني فيكون معناه { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً } كقول الشاعر :
بني أسد أنّ ابن قيس وقتله *** بغير دم دار المذلّة حلّت
فألغى ابن قيس وقد ابتدأ بذكره ، وأخبر عن قتله أنه ذلّ ، وأنشد :
لعلّي أن مالت بي الريح ميلة *** على ابن أبي ذبان أن يتندما
فقال : لعلّي ثم قال : يتندما لأن المعنى فيه عدا قول الفرّاء .
وقال الزجّاج : معناه : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً } أزواجهم يتربصن بأنفسهنّ .
وقال الأخفش : خبره في قوله { يَتَرَبَّصْنَ } أي يتربصن بعدهم .
وقال قطرب : معناه ينبغي لهنّ أن يتربصن أي ينتظرن ويحتبسن بأنفسهن ، معتدّات على أزواجهن ، تاركات الطيب والزينة والأزواج والنقلة عن المسكن الذي كنّ يسكنّه في حياة أزواجهنّ أربعة أشهر وعشراً إلاّ أن يكنّ حوامل فيتربصن إلى أن يضعن حملهن ، فإذا ولدنَ انقضت عدّتهنّ .
روى الزهري عن عروة عن عائشة أنها كانت تفتي للمتوفى عنها زوجها حتى تنقضي عدّتها أن لا تلبس مصبوغاً ، وتلبس البياض ولا تلبس السواد ، ولا تتزيّن ولا تلبس حليّاً ولا تكتحل بالأثمد ولا بكحل فيه طيب وإنْ وجعت عينها ، ولكنها تتحلّى بالصبر وما بدا لها من الأكحال سوى الأثمد مما ليس فيه طيب .
وروى نافع عن زينب بنت أم سلمة أنّ امرأة من قريش جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : " إن ابنتي توفي زوجها وقد اشتكت عينها حتى خفت على عينها وهي تريد الكحل ، فقال عليه الصلاة والسلام : قد كانت احداكنّ تلبس أطمار ثيابها وتجلس في أخسّ بيوتها وتمكث حولا في بيتها ، فإذا كان الحول خرجت فمن كملت رمته ببعرة أفلا أربعة أشهر وعشراً " .
وروى نافع عن صفية بنت عبد الرحمن عن حفصة بنت عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلاّ على زوج ، فإنها تحدّ عليه أربعة أشهر وعشراً " .
وقال سعيد بن المسيّب : الحكمة في هذه المدّة أن فيها ينفخ الروح في الولد ، وإنّما قال وعشراً بلفظ المؤنث لأنه أراد الليالي لأن العرب إذا أتممت العدد من الليالي والأيام غلّبت عليه الليالي فيقولون : صمنا عشراً ، والصوم لا يكون إلاّ بالنهار ، قال الشاعر :
وطافت ثلاثاً بين يوم وليلة *** وكان النكير أن يضيف ويجار
أي يخاف فاضح ، ويدلّ عليه قراءة ابن عباس : أربعة أشهر وعشر ليال ، وقال المبرّد : إنّما أنّث العشر لأنّه أراد به المدد . { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } يعني انقضاء العدّة { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } يخاطب الأولياء { فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ } من البر في أن يتولّوه لهنّ { بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.