الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَٱلَّذَانِ يَأۡتِيَٰنِهَا مِنكُمۡ فَـَٔاذُوهُمَاۖ فَإِن تَابَا وَأَصۡلَحَا فَأَعۡرِضُواْ عَنۡهُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّابٗا رَّحِيمًا} (16)

{ وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ } يعني الرجل والمرأة ، المذكر والمؤنث إذا اجتمعا قلب المذكر على المؤنث ، والهاء راجعة إلى الفاحشة .

قال المفسرون : فهما البكران يزنيان { فَآذُوهُمَا } قال عطاء وقتادة والسدي : يعني عيّروهما وعنفوهما باللسان : أما خفت الله أما استحيت الله حين أتيت الزنا ، وأشباهه . مجاهد : سبّوهما واشتموهما . ابن عباس : هو باللسان واليد كأن [ يوذي ] بالتعيير والضرب بالنعال .

{ فَإِن تَابَا } من الفاحشة { وَأَصْلَحَا } العمل فيما بعد { فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ } ولا تؤذوهما ، وإنما كان قبل نزول الحدود ، فلما نزلت الحدود نسخت هذه الآية والإمساك من الآية الأولى بالرجم للبنت والجلد والنفي للبكر ، والجلد في القرآن والنفي والرجم في السنة .

روى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني : " إنما أخبراه أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما : يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله . وقال الآخر وهو أفقههما : أجل يا رسول الله أقضِ بيننا بكتاب الله وائذن لي في أن أتكلم ؟ فقال : " تكلم " . فقال : إن ابني كان عسيفاً على هذا قال مالك : والعسيف الأجير فزنا بامرأته ، فأخبروني أن على ابني الرجم ، فافتديت منه مائة شاة وبجارية ، ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام ، وإنما الرجم على امرأته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله ، أما غنمك وجاريتك فردَّ عليك ، وجلد ابنك مائة وتغريبه عاماً " .

وأمر أنيس الأسلمي أن يأتي إمرأة الرجل فان اعترفت رجمها ، فاعترفت فرجمها " .

روى الزهري عن أبي سلمة عن عروة بن الزبير : أن عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) غرّب في الزنا ولم تزل تلك السنّة حتى غرَّب مروان في إمارته .

وروى الزهري عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله :

" أن رجلا من أسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف عنده بالزنا : فأعرض عنه ثم اعترف فاعترض حتى شهد على نفسه أربع مرات ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إنك مجنون ؟ " قال : لا ، قال : " أحصنت ؟ " قال : نعم ، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرجم بالمصلّى ، فلما أذاقته الحجارة فرَّ ، وأدرك فرجمه حتى مات .

فقال النبي صلى الله عليه وسلم فيه خيراً ولم يصل عليه " .

سليمان بن بريدة عن أبيه قال : " جاء ماعز بن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله طهّرني ، قال : " ويحك إرجع فاستغفر الله وتب إليه " قال : فرجع غير بعيد وقال مثل ذلك ، حتى إذا كانت الرابعة قال له النبي صلى الله عليه وسلم " ممَّ أطهرك ؟ " قال : من الزنا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنك مجنون ؟ " وأخبر أنه ليس به جنون ، فقال : " أَشَرِبَ خمراً " ، فقام رجل فاستشمه فلم يجد منه ريح خمر .

فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أزنيت أنت ؟ " قال : نعم فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرجم ، وجاء النبي فقال : " استغفروا لماعز بن مالك " ، فقالوا : أيغفر الله لماعز بن مالك ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لقد تاب ماعز توبة لو قسّمت بين أمة لوسعتها " " .

وروى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب قال : لقد خشيت أن يطول الناس زمان حتى يقول قائل لا نجد الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، ألا وإن الرجم حق على من زنا ، إذا أحصن وقامت البينة أو الحمل أو الإعتراف ، وقد قرأتها : الشيخ والشيخة فارجموهما البتة ، ألا وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده .