سورة   الفاتحة
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الفاتحة مكِيّة وآياتها سَبْع

-القول في تأويل أسماء فاتحة الكتاب-

قال أبو جعفر : صَحَّ الخبرُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما : -

حدثني به يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : هي أمّ القرآن ، وهي فاتحة الكتاب ، وهي السبع المثاني .

فهذه أسماءُ فاتحة الكتاب .

وسمّيت " فاتحة الكتاب " ، لأنها يُفتتح بكتابتها المصاحف ، ويُقرأ بها في الصلوات ، فهي فَواتح لما يتلوها من سور القرآن في الكتابة والقراءة .

وسمّيت " أم القرآن " لتقدمها على سائر سور القرآن غيرها ، وتأخُّر ما سواها خلفها في القراءة والكتابة . وذلك من معناها شبيهٌ بمعنى فاتحة الكتاب . وإنما قيل لها -بكونها كذلك- أمَّ القرآن ، لتسمية العرب كل جامع أمرًا -أو مقدِّمٍ لأمر إذا كانت له توابعُ تتبعه ، هو لها إمام جامع- " أمًّا " . فتقول للجلدة التي تجمع الدّماغ : " أم الرأس " . وتسمى لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها للجيش - " أمًّا " . ومن ذلك قول ذي الرُّمة ، يصف رايةً معقودة على قناة يجتمع تحتها هو وصحبُه :

وَأَسَمْرَ ، قَوَّامٍ إذَا نَام صُحْبَتِي ، *** خَفِيفِ الثِّيابِ لا تُوَارِي لَهُ أَزْرَا

عَلَى رَأْسِه أمٌّ لنا نَقْتَدِي بِهَا ، *** جِماعُ أمورٍ لا نُعاصِي لَهَا أمْرَا

إذَا نزلتْ قِيلَ : انزلُوا ، وإذا غدَتْ *** غَدَتْ ذاتَ بِرْزيقٍ نَنَال بِهَا فَخْرَا

يعني بقوله : " على رأسه أمٌّ لنا " ، أي على رأس الرمح رايةٌ يجتمعون لها في النزول والرحيل وعند لقاء العدوّ .

وقد قيل إن مكة سميت " أمّ القُرى " ، لتقدُّمها أمامَ جميعِها ، وجَمْعِها ما سواها . وقيل : إنما سُميت بذلك ، لأن الأرض دُحِيَتْ منها فصارت لجميعها أمًّا . ومن ذلك قولُ حُميد بن ثَوْر الهلاليّ :

إذا كانتِ الخمسُونَ أُمَّكَ ، لَم يكنْ *** لِدَائك ، إلا أَنْ تَمُوت ، طَبِيبُ

لأن الخمسين جامعةٌ ما دونها من العدد ، فسماها أمًّا للذي قد بلغها .

وأما تأويل اسمها أنها " السَّبْعُ " ، فإنها سبعُ آيات ، لا خلاف بين الجميع من القرَّاء والعلماء في ذلك .

وإنما اختلفوا في الآي التي صارت بها سبع آيات :

فقال عُظْمُ أهل الكوفة : صارت سبع آيات ب { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } ورُوي ذلك عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين .

وقال آخرون : هي سبع آيات ، وليس منهن { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } ولكن السابعة " أنعمت عليهم " . وذلك قول عُظْم قَرَأةِ أهل المدينة ومُتْقنيهم .

قال أبو جعفر : وقد بيَّنا الصواب من القول عندنا في ذلك في كتابنا : ( اللطيف في أحكام شرائع الإسلام ) بوجيز من القول ، ونستقصي بيان ذلك بحكاية أقوال المختلفين فيه من الصحابة والتابعين والمتقدمين والمتأخرين في كتابنا : ( الأكبر في أحكام شرائع الإسلام ) إن شاء الله ذلك .

وأما وصف النبي صلى الله عليه وسلم آياتها السبعَ بأنهن مَثان ، فلأنها تُثْنَى قراءتها في كل صلاة وتطوُّع ومكتوبة . وكذلك كان الحسن البصري يتأوّل ذلك .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن عُليَة ، عن أبي رَجاء ، قال سألت الحسن عن قوله : { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ }[ سورة الحجر : 87 ] قال : هي فاتحة الكتاب . ثم سئل عنها وأنا أسمع فقرأها : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } حتى أتى على آخرها ، فقال : تثنى في كل قراءة - أو قال - في كل صلاة . الشك من أبي جعفر الطبري .

والمعنى الذي قلنا في ذلك قصد أبو النجم العجلي بقوله :

الحمدُ لله الذي عَافَانِي *** وكلَّ خَيْر بعدَهُ أَعْطانِي

*** مِنَ القُرَآن ومِنَ المَثَاني***

وكذلك قول الراجز الآخر :

نَشَدْتُكم بِمُنزل الفُرقانِ *** أمِّ الكِتَاب السَّبع من مَثَانِي

ثُنِّينَ مِنْ آيٍ من القُرْآنِ *** والسَّبعِ سبعِ الطُّوَل الدَّوانِي

وليس في وجوب اسم " السبع المثاني " لفاتحة الكتاب ، ما يدفع صحة وجوب اسم " المثاني " للقرآن كله ، ولما ثَنَّى المئين من السور . لأن لكلٍّ وجهًا ومعنًى مفهومًا ، لا يَفْسُد - بتسميته بعضَ ذلك بالمثاني - تسميةُ غيره بها .

فأما وجه تسمية ما ثَنَّى المئينَ من سور القرآن بالمثاني ، فقد بينا صحته ، وسندُلّ على صحة وجه تسمية جميع القرآن به عند انتهائنا إليه في سورة الزُّمَر ، إن شاء الله .

القول في تأويل الاستعاذة :

تأويل قوله : { أَعُوذُ } .

قال أبو جعفر : والاستعاذة : الاستجارة . وتأويل قول القائل : { أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } أستجيرُ بالله - دون غيره من سائر خلقه - من الشيطان أن يضرَّني في ديني ، أو يصدَّني عن حق يلزَمُني لرَبي .

تأويل قوله : { مِنَ الشَّيْطَانِ }

قال أبو جعفر : والشيطان ، في كلام العرب : كل متمرِّد من الجن والإنس والدوابِّ وكل شيء . وكذلك قال ربّنا جل ثناؤه : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإنْسِ وَالْجِنِّ } [ سورة الأنعام : 112 ] ، فجعل من الإنس شياطينَ ، مثلَ الذي جعل من الجنّ .

وقال عمر بن الخطاب رحمة الله عليه ، وركب بِرذَوْنًا فجعل يتبختر به ، فجعل يضربه فلا يزداد إلا تبخترًا ، فنزل عنه ، وقال : ما حملتموني إلا على شيطانٍ ! ما نزلت عنهُ حتى أنكرت نَفسي .

حدثنا بذلك يونس بن عبد الأعلى ، قال : أنبأنا ابن وهب ، قال : أخبرني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن عمر .

قال أبو جعفر : وإنما سُمي المتمرِّد من كل شيء شيطانًا ، لمفارقة أخلاقه وأفعاله أخلاقَ سائر جنسه وأفعاله ، وبُعدِه من الخير . وقد قيل : إنه أخذ من قول القائل : شَطَنَتْ دَاري من دارك - يريد بذلك : بَعُدت . ومن ذلك قول نابغة بني ذبيان :

نأتْ بِسُعَادَ عَنْك نَوًى شَطُونُ *** فبانَت ، والفؤادُ بها رَهِينُ

والنوى : الوجه الذي نَوَتْه وقصَدتْه . والشَّطونُ : البعيد . فكأن الشيطان - على هذا التأويل - فَيعَال من شَطَن . ومما يدلّ على أن ذلك كذلك ، قولُ أميّة ابن أبي الصّلت :

أَيُّمَا شاطِن عَصَاه عَكاهُ *** ثُم يُلْقَى في السِّجْن والأكْبَالِ

ولو كان فَعلان ، من شاطَ يشيط ، لقال أيُّما شائط ، ولكنه قال : أيما شاطنٍ ، لأنه من " شَطَن يَشْطُنُ ، فهو شاطن " .

تأويل قوله : ( الرَّجِيمِ ) .

وأما الرجيم فهو : فَعيل بمعنى مفعول ، كقول القائل : كفٌّ خضيبٌ ، ولحيةٌ دهين ، ورجل لَعينٌ ، يريد بذلك : مخضوبة ومدهونة وملعون . وتأويل الرجيم : الملعون المشتوم . وكل مشتوم بقولٍ رديء أو سبٍّ فهو مَرْجُوم . وأصل الرجم الرَّميُ ، بقول كان أو بفعل . ومن الرجم بالقول قول أبي إبراهيم لإبراهيم صلوات الله عليه : { لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأرْجُمَنَّكَ } [ سورة مريم : 46 ] .

وقد يجوز أن يكون قِيل للشيطان رجيمٌ ، لأن الله جل ثناؤه طرَده من سَمواته ، ورجمه بالشُّهب الثَّواقِب .

وقد رُوي عن ابن عباس ، أن أول ما نزل جبريلُ على النبي صلى الله عليه وسلم عَلَّمه الاستعاذة .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سَعيد ، قال : حدثنا بشر بن عُمَارة ، قال : حدثنا أبو رَوْق ، عن الضحّاك ، عن عبد الله بن عباس ، قال : أول ما نزل جبريلُ على محمد قال : " يا محمد استعذ ، قل : أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم " ، ثم قال : قل : " بسم الله الرحمن الرحيم " ، ثم قال : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } [ العلق : 1 ] . قال عبد الله : وهي أول سورة أنزلها الله على محمد بلسان جبريل .

فأمره أن يتعوذ بالله دون خلقه .

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ

القول في تأويل بِسْمِ .

قال أبو جعفر : إن الله تعالى ذكره وتقدست أسماؤه ، أدّب نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بتعليمه تقديم ذكر أسمائه الحسنى أمام جميع أفعاله ، وتقدم إليه في وصفه بها قبل جميع مهماته ، وجعل ما أدبه به من ذلك وعلمه إياه منه لجميع خلقه سنةً يستنون بها ، وسبيلاً يتبعونه عليها ، في افتتاح أوائل منطقهم وصدور رسائلهم وكتبهم وحاجاتهم حتى أغنت دلالة ما ظهر من قول القائل «بسم الله » ، على ما بطن من مراده الذي هو محذوف .

وذلك أن الباء من «بسم الله » مقتضيةٌ فعلاً يكون لها جالبا ، ولا فعل معها ظاهر ، فأغنت سامع القائل «بسم الله » معرفته بمراد قائله من إظهار قائل ذلك مراده قولاً ، إذ كان كل ناطق به عند افتتاحه أمرا قد أحضر منطقه به ، إما معه وإما قبله بلا فصل ، ما قد أغنى سامعه من دلالة شاهدة على الذي من أجله افتتح قيله به . فصار استغناءُ سامع ذلك منه عن إظهار ما حذف منه ، نظير استغنائه إذا سمع قائلاً قيل له : ما أكلت اليوم ؟ فقال : طعاما ، عن أن يكرّر المسئول مع قوله «طعاما » أكلت لما قد ظهر لديه من الدلالة على أن ذلك معناه بتقدم مسألة السائل إياه عما أكل . فمعقول إذا أن قول القائل إذا قال : «بِسم الله الرحمن الرحيم » ثم افتتح تاليا سورة ، أن إتباعه «بسم الله الرحمن الرحيم » تلاوةَ السورة ، ينبىء عن معنى قوله : «بسم الله الرحمن الرحيم » ومفهوم به أنه مريد بذلك أقرأُ بسم الله الرحمن الرحيم .

وكذلك قوله : «بسم الله » عند نهوضه للقيام أو عند قعوده وسائر أفعاله ، ينبىء عن معنى مراده بقوله «بسم الله » ، وأنه أراد بقيله «بسم الله » : أقوم بسم الله ، وأقعد بسم الله وكذلك سائر الأفعال .

وهذا الذي قلنا في تأويل ذلك ، هو معنى قول ابن عباس ، الذي :

حدثنا به أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، قال : حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس ، قال : إن أول ما نزل به جبريل على محمد ، قال : يا محمد ، قل أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم ثم قال : قل بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ قال : قال له جبريل : قل بسم الله يا محمد . يقول : اقرأ بذكر الله ربك ، وقم واقعد بذكر الله .

قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : فإن كان تأويل قوله «بسم الله » ما وصفت ، والجالب «الباء » في «بسم الله » ما ذكرت ، فكيف قيل «بسم الله » ، بمعنى «اقرأ بسم الله » ، أو «أقوم أو أقعد بسم الله » ؟ وقد علمت أن كل قارىء كتاب الله ، فبعون الله وتوفيقه قراءتُه ، وأن كل قائم أو قاعد أو فاعل فعلاً ، فبالله قيامُه وقعوده وفعله ؟ وهلاّ إذا كان ذلك كذلك ، قيل : «بسم الله الرحمن الرحيم » ، ولم يقل «بسم الله » فإن قول القائل : أقوم وأقعد بالله الرحمن الرحيم ، أو أقرأ بالله ، أوضح معنى لسامعه من قوله «بسم الله » ، إذ كان قوله أقوم وأقعد بسم الله ، يوهم سامعه أن قيامه وقعوده بمعنى غير الله .

قيل له : إن المقصود إليه من معنى ذلك ، غير ما توهمته في نفسك . وإنما معنى قوله «بسم الله » : أبدأ بتسمية الله وذكره قبل كل شيء ، أو أقرأ بتسمية الله ، أو أقوم وأقعد بتسمية الله وذكره لا أنه يعني بقيله «بسم الله » : أقوم بالله ، أو أقرأ بالله فيكون قول القائل : «أقرأ بالله » ، و«أقوم وأقعد بالله » ، أولى بوجه الصواب في ذلك من قوله «بسم الله » .

فإن قال : فإن كان الأمر في ذلك على ما وصفتَ ، فكيف قيل «بسم الله » وقد علمت أن الاسم اسم ، وأن التسمية مصدر من قولك سَمّيت ؟ .

قيل : إن العرب قد تخرج المصادر مبهمةً على أسماء مختلفة ، كقولهم : أكرمت فلانا كرامةً ، وإنما بناء مصدر «أفعلتُ » إذا أُخرج على فعله : «الإفعالُ » ، وكقولهم : أهنت فلانا هوانا ، وكلمته كلاما . وبناء مصدر «فعّلت » التفعيل ، ومن ذلك قول الشاعر :

أكُفْرا بَعْدَ رَدّ المَوْتِ عَنّي *** وبَعْدَ عَطائِكَ المِائَةَ الرّتاعا

يريد : إعطائك . ومنه قول الاَخر :

وَإنْ كانَ هَذا البُخْلُ مِنْكَ سَجِيّةً *** لَقَدْ كُنْتُ في طَوْلي رَجاءَكَ أشْعَبا

يريد : في إطالتي رجاءك . ومنه قول الاَخر :

أظَلُومُ إنّ مُصَابكُمْ رَجُلا *** أهْدَى السّلامَ تَحِيّةً ظُلْمُ

يريد إصابتكم ، والشواهد في هذا المعنى تكثر ، وفيما ذكرنا كفاية ، لمن وفق لفهمه . فإذا كان الأمر على ما وصفنا من إخراج العرب مصادر الأفعال على غير بناء أفعالها كثيرا ، وكان تصديرها إياها على مخارج الأسماء موجودا فاشيا ، تبين بذلك صواب ما قلنا من التأويل في قول القائل : «بسم الله » ، أن معناه في ذلك عند ابتدائه في فعل أو قول : أبدأ بتسمية الله ، قبل فعلي ، أو قبل قولي .

وكذلك معنى قول القائل عند ابتدائه بتلاوة القرآن : «بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ » إنما معناه : أقرأ مبتدئا بتسمية الله ، أو أبتدىء قراءتي بتسمية الله فجعل الاسم مكان التسمية ، كما جعل الكلام مكان التكليم ، والعطاء مكان الإعطاء .

وبمثل الذي قلنا من التأويل في ذلك ، رُوي الخبر عن عبد الله بن عباس .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، قال : حدثنا أبو روق عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس ، قال : أول ما نزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم ، قال : يا محمد ، قل أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم ثم قال : قل بسم الله الرحمن الرحيم .

قال ابن عباس : «بسم الله » ، يقول له جبريل : يا محمد اقرأ بذكر الله ربك ، وقم واقعد بذكر الله .

وهذا التأويل من ابن عباس ينبىء عن صحة ما قلنا من أنه يراد بقول القائل مفتتحا قراءته : «بسم الله الرحمن الرحيم » : أقرأ بتسمية الله وذكره ، وافتتح القراءة بتسمية الله ، بأسمائه الحسنى ، وصفاته العلى وفسادِ قول من زعم أن معنى ذلك من قائله : بالله الرحمن الرحيم في كل شيء ، مع أن العباد إنما أمروا أن يبتدئوا عند فواتح أمورهم بتسمية الله لا بالخبر عن عظمته وصفاته ، كالذي أمروا به من التسمية على الذبائح والصيد ، وعند المطعم والمشرب ، وسائر أفعالهم ، وكذلك الذي أمروا به من تسميته عند افتتاح تلاوة تنزيل الله وصدور رسائلهم وكتبهم .

ولا خلاف بين الجميع من علماء الأمة ، أن قائلاً لو قال عند تذكيته بعض بهائم الأنعام : «بالله » ، ولم يقل «بسم الله » ، أنه مخالف بتركه قيل «بسم الله » ما سُنّ له عند التذكية من القول . وقد علم بذلك أنه لم يرد بقوله «بسم الله » ، «بالله » كما قال الزاعم أن اسم الله في قول الله : «بسم الله الرحمن الرحيم » ، هو الله لأن ذلك لو كان كما زعم ، لوجب أن يكون القائل عند تذكيته ذبيحته «بالله » قائلاً ما سُنّ له منّ القول على الذبيحة . وفي إجماع الجميع على أن قائل ذلك تارك ما سُنّ له من القول على ذبيحته ، إذْ لم يقل «بسم الله » ، دليل واضح على فساد ما ادعى من التأويل في قول القائل «بسم الله » وأنه مراد به بالله ، وأن اسم الله هو الله .

وليس هذا الموضع من مواضع الإكثار في الإبانة عن الاسم ، أهو المسمى أم غيره أم هو صفة له ؟ فنطيل الكتاب به ، وإنما هو موضع من مواضع الإبانة عن الاسم المضاف إلى الله ، أهو اسم أم مصدر بمعنى التسمية ؟ فإن قال قائل : فما أنت قائل في بيت لبيد بن ربيعة :

إلى الحَوْلِ ثُمّ اسْمُ السّلامِ عَلَيْكُمَا *** وَمَنْ يَبْكِ حَوْلاً كامِلاً فقَدِ اعْتَذَرْ

فقد تأوّله مقدم في العلم بلغة العرب ، أنه معنيّ به : ثم السلام عليكما ، وأن اسم السلام هو السلام .

قيل له : لو جاز ذلك وصحّ تأويله فيه على ما تأوّل ، لجاز أن يقال : رأيت اسم زيد ، وأكلت اسم الطعام ، وشربت اسم الشراب . وفي إجماع جميع العرب على إحالة ذلك ما ينبىء عن فساد تأويل من تأوّل قول لبيد : «ثم اسم السلام عليكما » ، أنه أراد : ثم السلام عليكما ، وادعائه أن ادخال الاسم في ذلك وإضافته إلى السلام إنما جاز ، إذْ كان اسم المسمى هو المسمى بعينه .

ويُسأل القائلون قول من حكينا قوله هذا ، فيقال لهم : أتستجيزون في العربية أن يقال أكلت اسم العسل ، يعني بذلك أكلت العسل ، كما جاز عندكم اسم السلام عليك ، وأنتم تريدون السلام عليك ؟ فإن قالوا : نعم خرجوا من لسان العرب ، وأجازوا في لغتها ما تخطئه جميع العرب في لغتها . وإن قالوا لا سئلوا الفرق بينهما ، فلن يقولوا في أحدهما قولاً إلاّ ألزموا في الاَخر مثله .

فإن قال لنا قائل : فما معنى قول لبيد هذا عندك ؟ قيل له : يحتمل ذلك وجهين ، كلاهما غير الذي قاله من حكينا قوله . أحدهما : أن «السلام » اسم من أسماء الله فجائز أن يكون لبيد عنى بقوله : «ثم اسم السلام عليكما » : ثم الْزَمَا اسم الله وذكره بعد ذلك ، ودعا ذكري والبكاء عليّ على وجه الإغراء . فرفع الاسم ، إذْ أخّر الحرف الذي يأتي بمعنى الإغراء . وقد تفعل العرب ذلك إذا أخرت الإغراء وقدمت المُغْرَى به ، وإن كانت قد تنصب به وهو مؤخر . ومن ذلك قول الشاعر :

يا أيّها المَائِحُ دَلْوِي دُونَكَا *** إني رأيْتُ النّاس يَحْمَدُونَكا

فأغرى ب«دونك » ، وهي مؤخرة وإنما معناه : دونك دلوي . فذلك قول لبيد :

إلى الحَوْلِ ثُمّ اسْمُ السّلامِ عَلَيْكُمَا

يعني : عليكما اسم السلام ، أي : الزما ما ذكر الله ، ودعا ذكري والوجد بي لأن من بكى حولاً على امرىء ميت فقد اعتذر . فهذا أحد وجهيه .

والوجه الاَخر منهما : ثم تسميتي الله عليكما ، كما يقول القائل للشيء يراه فيعجبه : «اسم الله عليك » يعوّذه بذلك من السوء ، فكأنه قال : ثم اسم الله عليكما من السوء . وكأن الوجه الأول أشبه المعنيين بقول لبيد .

ويقال لمن وجّه بيت لبيد هذا إلى أن معناه : «ثم السلام عليكما » : أترى ما قلنا من هذين الوجهين جائزا ، أو أحدهما ، أو غير ما قلت فيه ؟ فإن قال : لا أبان مقداره من العلم بتصاريف وجوه كلام العرب ، وأغنى خصمه عن مناظرته . وإن قال : بلى قيل له : فما برهانك على صحة ما ادّعيت من التأويل أنه الصواب دون الذي ذكرت أنه محتمله من الوجه الذي يلزمنا تسليمه لك ؟ ولا سبيل إلى ذلك . وأما الخبر الذي :

حدثنا به إسماعيل بن الفضل ، قال : حدثنا إبراهيم بن العلاء بن الضحاك ، قال : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن إسماعيل بن يحيى عن ابن أبي مليكة ، عمن حدثه عن ابن مسعود ، ومسعر بن كدام ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ أسْلَمَتْهُ أُمّهُ إلى الكُتّابِ لِيُعَلّمَهُ ، فَقالَ لَهُ المُعَلّمُ : اكْتُبْ بِسْمِ فَقَالَ له عِيسَى : وَما بِسْمِ ؟ فَقالَ لَهُ المُعَلّمُ : ما أدْرِي فَقالَ عِيسىَ : الباءُ : بَهاءُ اللّهِ ، وَالسّينُ : سَناؤُهُ ، وَالمِيمُ : مَمْلَكَتُهُ » .

فأخشى أن يكون غلطا من المحدث ، وأن يكون أراد : «ب س م » ، على سبيل ما يعلم المبتدى من الصبيان في الكتاب حروفَ أبي جاد . فغلط بذلك ، فوصله فقال : «بسم » لأنه لا معنى لهذا التأويل إذا تُلي «بسم الله الرحمن الرحيم » على ما يتلوه القارىء في كتاب الله ، لاستحالة معناه على المفهوم به عند جميع العرب وأهل لسانها ، إذا حمل تأويله على ذلك .

القول في تأويل قوله تعالى : { الله } .

قال أبو جعفر : وأما تأويل قول الله : «الله » ، فإنه على معنى ما رُوي لنا عن عبد الله بن عباس : هو الذي يَأْلَهه كل شيء ، ويعبده كل خلق . وذلك أن أبا كريب :

حدثنا قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، قال : حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس ، قال : الله ذو الألوهية والمعبودية على خلقه أجمعين .

فإن قال لنا قائل : فهل لذلك في «فَعَلَ ويَفْعَل » أصل كان منه بناء هذا الاسم ؟ قيل : أما سماعا من العرب فلا ، ولكن استدلالاً .

فإن قال : وما دلّ على أن الألوهية هي العبادة ، وأن الإله هو المعبود ، وأن له أصلاً في فعل ويفعل ؟ قيل : لا تمانُعَ بين العرب في الحكم لقول القائل يصف رجلاً بعبادة وبطلب مما عند الله جل ذكره : تألّه فلان بالصحة ولا خلاف . ومن ذلك قول رؤبة بن العجاج :

لِلّهِ دَرّ الغانِياتِ المُدّةِ *** سَبّحْنَ واسْتَرْجَعْنَ مِنْ تألّهِي

يعني من تعبدي وطلبي الله بعمل . ولا شك أن التأله «التفعّل » من : أَلَهَ يَأْلَهُ ، وأن معنى «أَلَه » إذا نُطق به : عَبَد الله . وقد جاء منه مصدر يدل على أن العرب قد نطقت منه ب«فَعَل يفعل » بغير زيادة . وذلك ما :

حدثنا به سفيان بن وكيع ، قال حدثنا أبي ، عن نافع بن عمر ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس ، أنه قرأ : «وَيَذَرَكَ وَإلاهَتَكَ » قال : عبادتك ، ويُقال : إنه كان يُعْبَد ولا يَعْبَد .

وحدثنا سفيان ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن محمد بن عمرو بن الحسن ، عن ابن عباس : «وَيَذَرَكَ وَإلاهَتَكَ » قال : إنما كان فرعون يُعْبَد ولا يَعْبد . وكذلك كان عبد الله يقرؤها ومجاهد .

وحدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين بن داود ، قال : أخبرني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : ( «وَيَذَرَكَ وَإلاهَتَكَ » ) قال : وعبادتك . ولا شك أن الإلاهة على ما فسره ابن عباس ومجاهد ، مصدرٌ من قول القائل أَلَهَ اللّهَ فلانٌ إلاهةً ، كما يقال : عبد الله فلانٌ عبادة ، وعَبَر الرؤيا عبارةً . فقد بيّن قول ابن عباس ومجاهد هذا أن أله : عبد ، وأن الإلاهة مصدره .

فإن قال : فإن كان جائزا أن يقال لمن عبد الله : ألهه ، على تأويل قول ابن عباس ومجاهد ، فكيف الواجب في ذلك أن يقال ، إذا أراد المخبر الخبر عن استيجاب الله ذلك على عبده ؟ قيل : أما الرواية فلا رواية عندنا ، ولكن الواجب على قياس ما جاء به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي :

حدثنا به إسماعيل بن الفضل ، قال : حدثنا إبراهيم بن العلاء ، قال : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن إسماعيل بن يحيى ، عن ابن أبي مليكة ، عمن حدثه ، عن ابن مسعود ، ومسعر بن كدام ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ عِيسَى أسْلَمَتْهُ أُمّهُ إلى الكُتّابِ لِيُعَلّمَهُ ، فَقالَ لَهُ المُعَلّمُ : اكْتُبْ اللّهُ ، فَقالَ لَهُ عِيسَى : أَتَدْرِي ما اللّهُ ؟ اللّهُ إلَهُ الاَلِهَةِ » .

أن يقال : الله جل جلاله أَلَهَ العَبْدَ ، والعبدُ ألهه . وأن يكون قول القائل «الله » من كلام العرب أصله «الإله » .

فإن قال : وكيف يجوز أن يكون ذلك كذلك مع اختلاف لفظيهما ؟ قال : كما جاز أن يكون قوله : لَكِنّ هُوَ اللّهُ رَبّي أصله : «لكن أنا هو الله ربي » كما قال الشاعر :

وَتَرْمِيننِي بالطّرْفِ أيْ أنْتَ مُذْنِب *** وتَقْلِينَنِي لَكِنّ إيّاكِ لا أَقْلِي

يريد : «لكنْ أنا إياك لا أقلي » فحذف الهمزة من «أنا » ، فالتقت نون «أنا » ونون «لكن » وهي ساكنة ، فأدغمت في نون أنا ، فصارتا نونا مشددة ، فكذلك الله ، أصله الإله ، أسقطت الهمزة ، التي هي فاء الاسم ، فالتقت اللام التي هي عين الاسم ، واللام الزائدة التي دخلت مع الألف الزائدة ، وهي ساكنة ، فأدغمت في الأخرى التي هي عين الاسم ، فصارتا في اللفظ لاما واحدة مشددة ، كما وصفنا من قول الله : لَكِنّ هُوَ اللّهُ رَبّي .

القول في تأويل قوله تعالى : الرّحْمنِ الرّحِيمِ .

قال أبو جعفر : أما الرحمن ، فهو «فعلان » ، من رحم ، والرحيم فعيل منه . والعرب كثيرا ما تبني الأسماء من فعل يفعل على فعلان ، كقولهم من غضب غضبان ، ومن سكر سكران ، ومن عطش عطشان ، فكذلك قولهم رحمَن من رحم ، لأن «فَعِلَ » منه : رَحِمَ يَرْحم .

وقيل «رحيم » وإن كانت عين فعل منها مكسورة ، لأنه مدح . ومن شأن العرب أن يحملوا أبنية الأسماء إذا كان فيها مدح أو ذمّ على فعيل ، وإن كانت عين فَعِلَ منها مكسورة أو مفتوحة ، كما قالوا من عَلِمَ : عالم وعليم ، ومن قدَر : قادر وقدير . وليس ذلك منها بناءً على أفعالها لأن البناء من «فَعِلَ يَفْعَل » «وَفَعَلَ يَفْعَلُ » فاعل . فلو كان الرحمن والرحيم خارجين على بناء أفعالهما لكانت صورتهما الراحم .

فإن قال قائل : فإذا كان الرحمَن والرحيم اسمين مشتقين من الرحمة ، فما وجه تكرير ذلك وأحدهما مؤّد عن معنى الاَخر ؟

قيل له : ليس الأمر في ذلك على ما ظننت ، بل لكل كلمة منهما معنى لا تؤَدي الأخرى منهما عنها . فإن قال : وما المعنى الذي انفردت به كل واحدة منهما ، فصارت إحداهما غير مؤدية المعنى عن الأخرى ؟ قيل : أما من جهة العربية ، فلا تمانع بين أهل المعرفة بلغات العرب أن قول القائل «الرحمن » عن أبنية الأسماء من «فَعِلَ يَفْعَل » أشد عدولاً من قوله «الرحيم » . ولا خلاف مع ذلك بينهم أن كل اسم كان له أصل في «فَعِلَ يَفْعَل » ، ثم كان عن أصله من فعل ويفعل أشدّ عدولاً ، أن الموصوف به مفضل على الموصوف بالاسم المبني على أصله من «فَعِلَ يَفْعل » إذا كانت التسمية به مدحا أو ذما . فهذا ما في قول القائل «الرحمَن » من زيادة المعنى على قوله : «الرحيم » في اللغة .

وأما من جهة الأثر والخبر ، ففيه بين أهل التأويل اختلاف .

فحدثني السريّ بن يحيى التميمي ، قال : حدثنا عثمان بن زفر ، قال : سمعت العرزمي يقول : «الرحمن الرحيم » قال : الرحمن بجميع الخلق . «الرحيم » قال : بالمؤمنين .

وحدثنا إسماعيل بن الفضل ، قال : حدثنا إبراهيم بن العلاء ، قال : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن إسماعيل بن يحيى ، عن ابن أبي مليكة ، عمن حدثه ، عن ابن مسعود ، ومسعر بن كدام ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد يعني الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قالَ : الرّحْمَنُ : رَحْمَنُ الاَخِرَةِ والدّنْيَا ، والرّحِيمُ : رَحِيمُ الاَخِرَةِ » .

فهذان الخبران قد أنبآ عن فرق ما بين تسمية الله جل ثناؤه باسمه الذي هو «رحمن » ، وتسميته باسمه الذي هو «رحيم » . واختلاف معنى الكلمتين ، وإن اختلفا في معنى ذلك الفرق ، فدل أحدهما على أن ذلك في الدنيا ، ودل الاَخر على أنه في الاَخرة .

فإن قال : فأيّ هذين التأويلين أولى عندك بالصحة ؟ قيل : لجميعهما عندنا في الصحة مخرج ، فلا وجه لقول قائل : أيهما أولى بالصحة . وذلك أن المعنى الذي في تسمية الله بالرحمن ، دون الذي في تسميته بالرحيم هو أنه بالتسمية بالرحمن موصوف بعموم الرحمة جميع خلقه ، وأنه بالتسمية بالرحيم موصوف بخصوص الرحمة بعض خلقه ، إما في كل الأحوال ، وإما في بعض الأحوال . فلا شكّ إذا كان ذلك كذلك ، أن ذلك الخصوص الذي في وصفه بالرحيم لا يستحيل عن معناه ، في الدنيا كان ذلك أو في الاَخرة ، أو فيهما جميعا . فإذا كان صحيحا ما قلنا من ذلك وكان الله جل ثناؤه قد خص عباده المؤمنين في عاجل الدنيا بما لطف بهم في توفيقه إياهم لطاعته ، والإيمان به وبرسله ، واتباع أمره واجتناب معاصيه مما خذل عنه من أشرك به فكفر ، وخالف ما أمره به وركب معاصيه ، وكان مع ذلك قد جعل جل ثناؤه ما أعد في أجل الاَخرة في جناته من النعيم المقيم والفوز المبين لمن آمن به وصدق رسله وعمل بطاعته خالصا دون من أشرك وكفر به ، كان بيّنا أن الله قد خص المؤمنين من رحمته في الدنيا والاَخرة ، مع ما قد عمهم به والكفار في الدنيا ، من الإفضال والإحسان إلى جميعهم ، في البسط في الرزق ، وتسخير السحاب بالغيث ، وإخراج النبات من الأرض ، وصحة الأجسام والعقول ، وسائر النعم التي لا تحصى ، التي يشترك فيها المؤمنون والكافرون . فربنا جل ثناؤه رحمنُ جميع خلقه في الدنيا والاَخرة ، ورحيم المؤمنين خاصة في الدنيا والاَخرة .

فأما الذي عمّ جميعهم به في الدنيا من رحمته ، فكان رحمانا لهم به ، فما ذكرنا مع نظائره التي لا سبيل إلى إحصائها لأحد من خلقه ، كما قال جل ثناؤه : ( وإنْ تَعُدّوا نِعْمَةَ اللّهِ لا تُحْصُوها ) . وأما في الاَخرة ، فالذي عم جميعهم به فيها من رحمته . فكان لهم رحمانا . تسويته بين جميعهم جل ذكره في عدله وقضائه ، فلا يظلم أحدا منهم مِثْقَالَ ذَرّةٍ ، وَإنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرا عَظِيما ، وتُوفّى كل نفس ما كسبت . فذلك معنى عمومه في الاَخرة جميعهم برحمته الذي كان به رحمانا في الاَخرة .

وأما ما خص به المؤمنين في عاجل الدنيا من رحمته الذي كان به رحيما لهم فيها ، كما قال جل ذكره : وكانَ بالمُؤْمِنِينَ رَحِيما فما وصفنا من اللطف لهم في دينهم ، فخصهم به دون من خذله من أهل الكفر به .

وأما ما خصهم به في الاَخرة ، فكان به رحيما لهم دون الكافرين . فما وصفنا آنفا مما أعدّ لهم دون غيرهم من النعيم والكرامة التي تقصر عنها الأماني . وأما القول الاَخر في تأويله ، فهو ما :

حدثنا به أبو كريب . قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، قال : حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس ، قال : الرحمن الفعلان من الرحمة ، وهو من كلام العرب . قال : الرحمن الرحيم : الرقيق الرفيق بمن أحبّ أن يرحمه ، والبعيد الشديد على من أحبّ أن يعنف عليه . وكذلك أسماؤه كلها .

وهذا التأويل من ابن عباس ، يدل على أن الذي به ربنا رحمن هو الذي به رحيم ، وإن كان لقوله «الرحمن » من المعنى ما ليس لقوله «الرحيم » لأنه جعل معنى الرحمن بمعنى الرقيق على من رقّ عليه ، ومعنى الرحيم بمعنى الرفيق بمن رفق به .

والقول الذي رويناه في تأويل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكرناه عن العرزمي ، أشبه بتأويله من هذا القول الذي روينا عن ابن عباس وإن كان هذا القول موافقا معناه معنى ذلك ، في أن للرحمن من المعنى ما ليس للرحيم ، وأن للرحيم تأويلاً غير تأويل الرحمن .

والقول الثالث في تأويل ذلك ، ما :

حدثني به عمران بن بكار الكلاعي ، قال : حدثنا يحيى بن صالح ، قال : حدثنا أبو الأزهر نصر بن عمرو اللخمي من أهل فلسطين ، قال : سمعت عطاء الخراساني ، يقول : كان الرحمن ، فلما اختزل الرحمن من اسمه كان الرحمن الرحيم .

والذي أراد إن شاء الله عطاء بقوله هذا : أن الرحمن كان من أسماء الله التي لا يتسمى بها أحد من خلقه ، فلما تسمى به الكذّاب مسيلمة وهو اختزاله إياه ، يعني اقتطاعه من أسمائه لنفسه أخبر الله جلّ ثناؤه أن اسمه الرحمن الرحيم ، ليفصل بذلك لعباده اسمه من اسم من قد تسمى بأسمائه ، إذ كان لا يُسمّى أحد الرحمن الرحيم فيجمع له هذان الاسمان غيره جل ذكره وإنما تسمى بعض خلقه إما رحيما ، أو يتسمى رحمن ، فأما «رحمَن رحيم » ، فلم يجتمعا قط لأحد سواه ، ولا يجمعان لأحد غيره . فكأن معنى قول عطاء هذا : أن الله جل ثناؤه إنما فصل بتكرير الرحيم على الرحمن بين اسمه واسم غيره من خلقه ، اختلف معناهما أو اتفقا .

والذي قال عطاء من ذلك غير فاسد المعنى ، بل جائز أن يكون جل ثناؤه خص نفسه بالتسمية بهما معا مجتمعين إبانة لها من خلقه ، ليعرف عباده بذكرهما مجموعين أنه المقصود بذكرهما دون من سواه من خلقه ، مع ما في تأويل كل واحد منهما من المعنى الذي ليس في الاَخر منهما .

وقد زعم بعض أهل الغباء أن العرب كانت لا تعرف الرحمن ولم يكن ذلك في لغتها ولذلك قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم : { وَمَا الرّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لما تَأْمُرُنَا } إنكارا منهم لهذا الاسم . كأنه كان محالاً عنده أن ينكر أهل الشرك ما كانوا عالمين بصحته ، أو كأنه لم يتل من كتاب الله قولَ الله : الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتابَ يَعْرِفُونَهُ يعني محمدا كَما يَعْرِفُونَ أبْنَاءَهُمْ وهم مع ذلك به مكذبون ، ولنبّوته جاحدون . فيعلم بذلك أنهم قد كانوا يدافعون حقيقة ما قد ثبت عندهم صحته واستحكمت لديهم معرفته . وقد أنشد لبعض الجاهلية الجهلاء :

ألاَ ضَرَبَتْ تِلْكَ الفَتاةُ هَجِينَها *** ألاَ قَضَبَ الرّحْمَنُ رَبّي يَمِينَها

وقال سلامة بن جندل الطهوي :

عَجِلْتُمْ عَلَيْنَا عَجْلَتَيْنا عَلَيْكُمُ *** وَما يَشاء الرّحْمَنُ يَعْقِدْ ويُطْلِقِ

وقد زعم أيضا بعض من ضعفت معرفته بتأويل أهل التأويل ، وقلت روايته لأقوال السلف من أهل التفسير ، أن «الرحمن » مجازه «ذو الرحمة » ، و«الرحيم » مجازه «الراحم » . ثم قال : قد يقدرون اللفظين من لفظ والمعنى واحد ، وذلك لاتساع الكلام عندهم . قال : وقد فعلوا مثل ذلك ، فقالوا : ندمان ونديم . ثم استشهد بقول بُرْج بن مسهر الطائي :

ونَدْمانٍ يَزِيدُ الكأسَ طِيبَا *** سَقَيْتُ وقَدْ تَغَوّرَتِ النّجُومُ

واستشهد بأبيات نظائر له في النديم والندمان . ففرق بين معنى الرحمن والرحيم في التأويل ، لقوله : الرحمن ذو الرحمة ، والرحيم : الراحم . وإن كان قد ترك بيان تأويل معنييهما على صحته . ثم مثل ذلك باللفظين يأتيان بمعنى واحد ، فعاد إلى ما قد جعله بمعنيين ، فجعله مثال ما هو بمعنى واحد مع اختلاف الألفاظ . ولا شك أن ذا الرحمة هو الذي ثبت أن له الرحمة وصح أنها له صفة ، وأن الراحم هو الموصوف بأنه سيرحم ، أو قد رحم فانقضى ذلك منه ، أو هو فيه . ولا دلالة له فيه حينئذ أن الرحمة له صفة ، كالدلالة على أنها له صفة إذا وصفه بأنه ذو الرحمة . فأين معنى الرحمن الرحيم على تأويله من معنى الكلمتين يأتيان مقدرتين من لفظ واحد باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني ؟

ولكن القول إذا كان غير أصل معتمد عليه كان واضحا عُوَارُه .

وإن قال لنا قائل : ولم قدم اسم الله الذي هو الله على اسمه الذي هو الرحمن ، واسمه الذي هو الرحمن على اسمه الذي هو الرحيم ؟

قيل : لأن من شأن العرب إذا أرادوا الخبر عن مخبر عنه أن يقدموا اسمه ، ثم يُتبعوه صفاته ونعوته . وهذا هو الواجب في الحكم : أن يكون الاسم مقدما قبل نعته وصفته ، ليعلم السامع الخبر عمن الخبر فإذا كان ذلك كذلك ، وكان لله جل ذكره أسماء قد حرم على خلقه أن يتسموا بها خص بها نفسه دونهم ، ذلك مثل «الله » ، و«الرحمن » و«الخالق » وأسماء أباح لهم أن يسمي بعضهم بعضا بها ، وذلك كالرحيم ، والسميع ، والبصير ، والكريم ، وما أشبه ذلك من الأسماء كان الواجب أن يقدم أسماءه التي هي له خاصة دون جميع خلقه ، ليعرف السامع ذلك من توجه إليه الحمد والتمجيد ثم يتبع ذلك بأسمائه التي قد تسمى بها غيره ، بعد علم المخاطب أو السامع من توجه إليه ما يتلو ذلك من المعاني .

فبدأ الله جل ذكره باسمه الذي هو الله لأن الألوهية ليست لغيره جل ثناؤه بوجه من الوجوه ، لا من جهة التسمي به ، ولا من جهة المعنى . وذلك أنا قد بينا أن معنى الله هو المعبود ، ولا معبود غيره جل جلاله ، وأن التسمي به قد حرمه الله جل ثناؤه ، وإن قصد المتسمي به ما يقصد المتسمي بسعيد وهو شقيّ ، وبحَسَن وهو قبيح .

أَوَ لا ترى أن الله جل جلاله قال في غير آية من كتابه : ( أإله مَعَ الله ) فاستكبر ذلك من المقرّ به ، وقال تعالى في خصوصية نفسه بالله وبالرحمن : ( قُلِ ادْعُوا اللّهَ أو ادْعُوا الرّحْمَنَ أَيّا ما تَدْعُو فَلَهُ الأسْماءُ الْحُسْنَى ) ثم ثنّى باسمه ، الذي هو الرحمن ، إذْ كان قد منع أيضا خلقه التسمي به ، وإن كان من خلقه من قد يستحق تسميته ببعض معانيه وذلك أنه قد يجوز وصف كثير ممن هو دون الله من خلقه ببعض صفات الرحمة ، وغير جائز أن يستحق بعض الألوهية أحد دونه فلذلك جاء الرحمَن ثانيا لاسمه الذي هو الله » .

وأما اسمه الذي هو «الرحيم » فقد ذكرنا أنه مما هو جائز وصف غيره به . والرحمة من صفاته جل ذكره ، فكان إذ كان الأمر على ما وصفنا ، واقعا مواقع نعوت الأسماء اللواتي هن توابعها بعد تقدم الأسماء عليها . فهذا وجه تقديم اسم الله الذي هو «الله » على اسمه الذي هو «الرحمن » ، واسمه الذي هو «الرحمن » على اسمه الذي هو «الرحيم » .

وقد كان الحسن البصري يقول في الرحمن مثل ما قلنا ، أنه من أسماء الله التي منع التسمي بها لعباده .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا حماد بن مسعدة ، عن عوف ، عن الحسن ، قال : الرحمن اسم ممنوع .

مع أن في إجماع الأمة مِن منع التسمي به جميع الناس ما يغني عن الاستشهاد على صحة ما قلنا في ذلك بقول الحسن وغيره .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الفاتحة من السور ذات الأسماء الكثيرة : أنهاها صاحب الإتقان إلى نيف وعشرين بين ألقاب وصفات جرت على ألسنة القراء من عهد السلف ، ولم يثبت في السنة الصحيحة والمأثور من أسمائها إلا فاتحة الكتاب ، والسبع المثاني ، وأم القرآن ، أو أم الكتاب ، فلنقتصر على بيان هذه الأسماء الثلاثة .

فأما تسميتها فاتحة الكتاب فقد ثبتت في السنة في أحاديث كثيرة منها قول النبي صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ، وفاتحة مشتقة من الفتح وهو إزالة حاجز عن مكان مقصود ولُوجه فصيغتها تقتضي أن موصوفها شيء يزيل حاجزا ، وليس مستعملا في حقيقته بل مستعملا في معنى أول الشيء تشبيها للأول بالفاتح لأن الفاتح للباب هو أول من يدخل ، فقيل الفاتحة في الأصل مصدر بمعنى الفتح كالكاذبة بمعنى الكذب ، والباقية بمعنى البقاء في قوله تعالى { فهل ترى لهم من باقية } وكذلك الطاغية في قوله تعالى : { فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية } في قول ابن عباس أي بطغيانهم .

والخاطئة بمعنى الخطأ والحاقة بمعنى الحق . وإنما سمي أول الشيء بالفاتحة إما تسمية للمفعول بالمصدر الآتي على وزن فاعلة لآن الفتح يتعلق بأول أجزاء الفعل ففيه يظهر مبدأ المصدر ، وإما على اعتبار الفاتحة اسم فاعل ثم جعلت اسما لأول الشيء ؛ إذ بذلك الأول يتعلق الفتح بالمجموع فهو كالباعث على الفتح ، فالأصل فاتح الكتاب ، وأدخلت عليه هاء التأنيث دلالة على النقل من الوصفية إلى الاسمية أي إلى معاملة الصفة معاملة الاسم في الدلالة على ذات معينة لا على ذي وصف ، مثل الغائبة في قوله تعالى { وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين } ومثل العافية والعاقبة .

قال التفتزاني في شرح الكشاف : ولعدم اختصاص الفاتحة والخاتمة بالسورة ونحوها كانت التاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية وليست لتأنيث الموصوف في الأصل ، لأنهم يقولون فاتحة وخاتمة دائما لا في خصوص جريانه على موصوف مؤنث كالسورة والقطعة ، وذلك كقولهم فلان خاتمة العلماء ، وكقول الحريري في المقامة الأولى أدتني خاتمة المطاف ، وهدتني فاتحة الألطاف . وأيا ما كان ففاتحة وصف وصف به مبدأ القرآن وعومل معاملة الأسماء الجنسية ، ثم أضيف إلى الكتاب ثم صار هذا المركب علما بالغلبة على هذه السورة .

ومعنى فتحها الكتاب أنها جعلت أول القرآن لمن يريد أن يقرأ القرآن من أوله فتكون فاتحة بالجعل النبوي في ترتيب السور ، وقيل لأنها أول ما نزل وهو ضعيف لما ثبت في الصحيح واستفاض أن أول ما أنزل سورة { اقرأ باسم ربك } وهذا مما لا ينبغي أن يتردد فيه . فالذي نجزم به أن سورة الفاتحة بعد أن نزلت أمر الله رسوله أن يجعلها أول ما يقرأ في تلاوته .

وإضافة سورة إلى فاتحة الكتاب في قولهم سورة فاتحة الكتاب من إضافة العام إلى الخاص باعتبار فاتحة الكتاب علما على المقدار المخصوص من الآيات من الحمد لله إلى الضالين ، بخلاف إضافة سورة إلى ما أضيفت إليه في بقية سور القرآن فإنها على حذف مضاف أي سورة ذكر كذا ، وإضافة العام إلى الخاص وردت في كلام العرب مثل قولهم شجر الأراك ويوم الأحد وعلم الفقه ، ونراها قبيحة لو قال قائل : إنسان زيد ، وذلك باد لمن له أدنى ذوق إلا أن علماء العربية لم يفصحوا عن وجه الفرق بين ما هو مقبول من هذه الإضافة وبين ما هو قبيح فكان حقا أن أبين وجهه : وذلك ان إضافة العام إلى الخاص تحسن إذا كان المضاف والمضاف إليه اسمي جنس وأولهما أعم من الثاني ، فهنالك يجوز التوسع بإضافة الأعم إلى الأخص إضافة مقصودا منها الاختصار ، ثم تكسبها غلبة الاستعمال قبولا نحو قولهم شجر الأراك ، عوضا أن يقولوا : الشجر الذي هو الأراك ، ويوم الأحد عوضا عن أن يقولوا : يوم هو الأحد . وقد يكون ذلك جائزا غير مقبول لأنه لم يشع في الاستعمال كما لو قلت حيوان الإنسان ؛ فأما إذا كان المتضايفان غير اسم جنس فالإضافة في مثله ممتنعة فلا يقال : إنسان زيد . ولهذا جعل قول الناس شهر رمضان علما على الشهر المعروف بناءا على أن لفظ رمضان خاص بالشهر المعروف لا يحتمل معنى آخر ، فتعين أن يكون ذكر كلمة شهر معه قبيحا لعدم الفائدة منه لولا أنه شاع حتى صار مجموع المركب الإضافي علما على ذلك الشهر .

ويصح عندي أن تكون إضافة السورة إلى فاتحة الكتاب من إضافة الموصوف إلى الصفة ، كقولهم : مسجد الجامع ، وعشاء الآخرة ، أي سورة موصوفة بأنها فاتحة الكتاب فتكون الإضافة بيانية ، ولم يجعلوا لها اسما استغناء بالوصف ، كما يقول المؤلفون مقدمة أو باب بلا ترجمة ثم يقولون باب جامع مثلا ، ثم يضيفونه فيقولون : باب جامع الصلاة .

وأما إضافة فاتحة إلى الكتاب فإضافة حقيقية باعتبار أن المراد من الكتاب بقيته عدا السورة المسماة الفاتحة ، كما نقول : خطبة التأليف ، وديباجة التقليد .

وأما تسميتها أم القرآن وأم الكتاب فقد ثبتت في السنة ، من ذلك ما في صحيح البخاري في كتاب الطب أن أبا سعيد الخدري رقى ملدوغا فجعل يقرأ عليه بأم القرآن ، وفي الحديث قصة ، ووجه تسميتها أم القرآن أن الأم يطلق على أصل الشيء ومنشئه ، وفي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم : كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج أي منقوصة مخدوجة . وقد ذكروا لتسمية الفاتحة أم القرآن وجوها ثلاثة :

أحدها أنها مبدؤه ومفتتحه فكأنها أصله ومنشؤه ، يعني أن افتتاحه الذي هو وجود أول أجزاء القرآن قد ظهر فيها فجعلت كالأم للولد في أنها الأصل والمنشأ فيكون أم القرآن تشبيها بالأم التي هي منشأ الولد لمشابهتها بالمنشأ من حيث ابتداء الظهور والوجود .

الثاني أنها تشتمل محتوياتها على أنواع مقاصد القرآن وهي ثلاثة أنواع : الثناء على الله ثناء جامعا لوصفه بجميع المحامد وتنزيهه من جميع النقائص ، ولإثبات تفرده بالإلهية وإثبات البعث والجزاء وذلك من قوله { الحمد لله } إلى قوله { ملك يوم الدين } ، والأوامر والنواهي من قوله { إياك نعبد } والوعد والوعيد من قوله { صراط الذين } إلى آخرها ، فهذه هي أنواع مقاصد القرآن كله ، وغيرها تكملات لها لأن القصد من القرآن إبلاغ مقاصده الأصلية وهي صلاح الدارين وذلك يحصل بالأوامر والنواهي ، ولما توقفت الأوامر والنواهي على معرفة الآمر وأنه الله الواجب وجوده خالق الخلق لزم تحقيق معنى الصفات ، ولما توقف تمام الامتثال على الرجاء في الثواب والخوف من العقاب لزم تحقق الوعد والوعيد . والفاتحة مشتملة على هاته الأنواع فإن قوله { الحمد لله } إلى قوله { يوم الدين } حمد وثناء ، وقوله { إياك نعبد } إلى قوله { المستقيم } من نوع الأوامر والنواهي ، وقوله صراط الذين إلى آخرها من نوع الوعد والوعيد مع أن ذكر المغضوب عليهم والضالين يشير أيضا إلى نوع قصص القرآن ، وقد يؤيد هذا الوجه بما ورد في الصحيح في { قل هو الله أحد } أنها تعدل ثلث القرآن لأن ألفاظها كلها ثناء على الله تعالى .

الثالث أنها تشتمل معانيها على جملة معاني القرآن من الحكم النظرية والأحكام العملية فإن معاني القرآن إما علوم تقصد معرفتها وإما أحكام يقصد منها العمل بها ، فالعلوم كالتوحيد والصفات والنبوءات والمواعظ والأمثال والحكم والقصص ، إما عمل الجوارح وهو العبادات والمعاملات ، وإما عمل القلوب أي العقول وهو تهذيب الأخلاق وآداب الشريعة ، وكلها تشتمل عليها معاني الفاتحة بدلالة المطابقة أو التضمن أو الالتزام :

ف{ الحمد لله } يشمل سائر صفات الكمال التي استحق الله لأجلها حصر الحمد له تعالى بناء على ما تدل عليه جملة { الحمد لله } من اختصاص جنس الحمد به تعالى واستحقاقه لذلك الاختصاص كما سيأتي و{ رب العالمين } يشمل سائر صفات الأفعال والتكوين عند من أثبتها .

و{ الرحمن الرحيم } يشمل أصول التشريع الراجعة للرحمة بالمكلفين ، و{ ملك يوم الدين } يشمل أحوال القيامة .

و{ إياك نعبد } يجمع معنى الديانة والشريعة . و{ إياك نستعين } يجمع معنى الإخلاص لله في الأعمال . قال عز الدين بن عبد السلام في كتابه حل الرموز ومفاتيح الكنوز : الطريقة إلى الله لها ظاهر أي عمل ظاهر أي بدني وباطن أي عمل قلبي فظاهرها الشريعة وباطنها الحقيقة ، والمراد من الشريعة والحقيقة إقامة العبودية على الوجه المراد من المكلف . ويجمع الشريعة والحقيقة كلمتان هما قوله { إياك نعبد وإياك نستعين } { فإياك نعبد } شريعة { وإياك نستعين } حقيقة ، اهـ .

و{ اهدنا الصراط المستقيم } يشمل الأحوال الإنسانية وأحكامها من عبادات ومعاملات وآداب ، و{ صراط الذين أنعمت عليهم } يشير إلى أحوال الأمم والأفراد الماضية الفاضلة .

وقوله { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } يشمل سائر قصص الأمم الضالة ويشير إلى تفاصيل ضلالاتهم المحكية عنهم في القرآن ، فلا جرم يحصل من معاني الفاتحة-تصريحا وتضمنا-علم إجمالي بما حواه القرآن من الأغراض . وذلك يدعو نفس قارئها إلى تطلب التفصيل على حسب التمكن والقابلية . ولأجل هذا فرضت قراءة الفاتحة في كل ركعة من الصلاة حرصا على التذكر لما في مطاويها .

وأما تسميتها السبع المثاني فهي تسمية ثبتت بالسنة ، ففي صحيح البخاري عن أبي سعيد ابن المعلى{[1]} أن رسول الله قال الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ووجه تسميتها بذلك أنها سبع آيات باتفاق القراء والمفسرين ولم يشذ عن ذلك إلا الحسن البصري فقال هي ثمان آيات ، وإلا الحسين{[2]} الجعفي فقال هي ست آيات ، وقال بعض الناس تسع آيات ويتعين حينئذ كون البسملة ليست من الفاتحة لتكون سبع آيات ومن عد البسملة أدمج آيتين . وأما وصفها بالمثاني فهو مفاعل جمع مثنى بضم الميم وتشديد النون ، أو مثنى مخفف مثنى ، أو مثنى بفتح الميم مخفف مثني كمعنى مخفف معني . ويجوز تأنيث الجميع كما نبه عليه السيد الجرجاني في شرح الكشاف . وكل ذلك مشتق من التثنية وهي ضم ثان إلى أول .

ووجه الوصف به أن تلك الآيات تثنى في كل ركعة كذا في الكشاف . قيل وهو مأثور عن عمر بن الخطاب ، وهو مستقيم لأن معناه أنها تضم إليها السورة في كل ركعة ، ولعل التسمية بذلك كانت في أول فرض الصلاة فإن الصلوات فرضت ركعتين ثم أقرت صلاة السفر وأطيلت صلاة الحضر كذا ثبت في حديث عائشة في الصحيح وقيل العكس ، وقيل لأنها تثنى في الصلاة أي تكرر فتكون التثنية بمعنى التكرير بناء على ما شاع عند العرب من استعمال المثنى في مطلق المكرر نحو { ثم ارجع البصر كرتين } وقولهم لبيك وسعديك ، وعليه فيكون المراد بالمثاني هنا مثل المراد بالمثاني في قوله تعالى { كتابا متشابها مثاني } أي مكرر القصص والأغراض . وقيل سميت المثاني لأنها ثنيت في النزول فنزلت بمكة ثم نزلت في المدينة وهذا قول بعيد جدا وتكرر النزول لا يعتبر قائله ، وقد اتفق على أنها مكية فأي معنى لإعادة نزولها بالمدينة .

وهذه السورة وضعت في أول السور لأنها تنزل منها منزل ديباجة الخطبة أو الكتاب ، مع ما تضمنته من أصول مقاصد القرآن كما علمت آنفا وذلك شأن الديباجة من براعة الاستهلال . وهذه السورة مكية باتفاق الجمهور ، وقال كثير إنها أول سورة نزلت ، والصحيح أنه نزل قبلها { اقرأ باسم ربك } وسورة المدثر ثم الفاتحة ، وقيل نزل قبلها أيضا { ن~ والقلم } وسورة المزمل ، وقال بعضهم هي أول سورة نزلت كاملة أي غير منجمة ، بخلاف سورة القلم ، وقد حقق بعض العلماء أنها نزلت عند فرض الصلاة فقرأ المسلمون بها في الصلاة عند فرضها ، وقد عدت في رواية عن جابر بن زيد السورة الخامسة في ترتيب نزول السور . وأيا ما كان فإنها قد سماها النبي صلى الله عليه وسلم فاتحة الكتاب وأمر بأن تكون أول القرآن .

قلت : ولا يناكد ذلك نزولها بعد سور أخرى لمصلحة اقتضت سبقها قبل أن يتجمع من القرآن مقدار يصير به كتابا فحين تجمع ذلك أنزلت الفاتحة لتكون ديباجة الكتاب . وأغراضها قد علمت من بيان وجه تسميتها أم القرآن .

وهي سبع آيات باتفاق القراء والمفسرين ، ولم يشذ عن ذلك إلا الحسن البصري ، قال هي ثمان آيات ، ونسب أيضا لعمرو بن عبيد وإلى الحسين الجعفي{[3]} قال هي ست آيات ، ونسب إلى بعضهم غير معين أنها تسع آيات ، وتحديد هذه الآيات السبع هو ما دل عليه حديث الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال الله عز وجل ، قسمت الصلاة نصفين بيني وبين عبدي فنصفها لي ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل ، يقول العبد { الحمد لله رب العالمين } ، فأقول حمدني عبدي ، فإذا قال العبد { الرحمن الرحيم } ، يقول الله أثنى علي عبدي ، وإذا قال العبد { مالك يوم الدين } ، قال الله مجدني عبدي ، وإذا قال { إياك نعبد وإياك نستعين } ، قال الله : هذا بيني وبين عبدي ، وإذا قال { اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } ، قال الله هؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل اهـ .

فهن ثلاث ثم واحدة ثم ثلاث ، فعند أهل المدينة لا تعد البسملة آية وتعد { أنعمت عليهم } آية ، وعند أهل مكة وأهل الكوفة تعد البسملة آية وتعد { أنعمت عليهم } جزء آية ، والحسن البصري عد البسملة آية وعد { أنعمت عليهم } آية .

البسملة اسم لكلمة باسم الله ، صيغ هذا الاسم على مادَّةٍ مؤلفة من حروف الكلمتين باسم والله على طريقة تسمى النَّحْت ، وهو صوغ فعلِ مُضِيٍ على زنة فَعْلَل مؤلفةٍ مادِّتُه من حروف جملة أو حروفِ مركَّب إِضَافِيَ ، مما ينطق به الناس اختصاراً عن ذكر الجملة كلها لقصد التخفيف لكثرة دوران ذلك على الألسنة . وقد استعمل العرب النحت في النَّسَب إلى الجملة أو المركب إذا كان في النسبِ إلى صدر ذلك أو إلى عَجزه التباس ، كما قالوا في النسبة إلى عبد شمس عَبْشَمِيّ خشية الالتباس بالنسب إلى عبدٍ أو إلى شمس ، وفي النسبة إلى عبد الدار عَبْدَرِيّ كذلك وإلى حضرموت حضرمي قال سيبويه في باب الإضافة ( أي النسَب ) إلى المضاف من الأسماء : « وقد يجعلون للنسب في الإضافة اسماً بمنزلة جَعْفَري ويجعلون فيه من حروف الأول والآخر ولا يخرجونه من حروفهما ليُعْرَف » ا هـ ، فجاء من خلفهم من مولدي العرب واستعملوا هذه الطريقة في حكاية الجمل التي يكثر دورانها في الألسنة لقصد الاختصار ، وذلك من صدر الإسلام فصارت الطريقة عربية . قال الراعي :

قَومٌ على الإسلام لَمَّا يمنعوا *** ماعونَهم ويُضيِّعوا التَهْلِيلا

أي لم يتركوا قول : لا إله إلا الله . وقال عُمر بن أبي ربيعة :

لقد بسملت ليلَى غداةَ لقيتُها *** ألا حَبَّذا ذاك الحبيبُ المُبَسْمِلُ

أي قالت بسم الله فَرَقاً منه ، فأصل بسمل قال بسم الله ثم أطلقه المولدون على قول بسم الله الرحمن الرحيم ، اكتفاء واعتماداً على الشهرة وإن كان هذا المنحوتُ خِليَّاً من الحاء والراء اللذين هما من حروف الرحمان الرحيم ، فشاع قولهم بسمل في معنى قال بسم الله الرحمن الرحيم ، واشتق من فعل بسمل مصدر هو البسملة كما اشتق من هَلَّل مصدر هو الهيللة وهو مصدر قياسي لفعلل . واشتق منه اسم فاعل في بيت عمر بن أبي ربيعة ولم يسمع اشتقاق اسم مفعول .

ورأيت في « شرح ابن هارون التونسي على مختصر ابن الحاجب »{[46]} في باب الأذان عن المطرز في كتاب « اليواقيت » : الأفعالُ التي نحتت من أسمائها سبعة : بَسْمَلَ في بسم الله ، وسَبْحَلَ في سبحان الله ، وحَيْعَلَ في حي على الصلاة ، وحَوْقَلَ في لا حول ولا قوة إلا بالله ، وحَمْدَلَ في الحمدُ لله ، وهَلَّل في لا إله إلا الله ، وجَيْعَل إذا قال : جُعلت فِداك ، وزاد الطَّيْقَلَة في أَطال الله بقاءك ، والدَّمْعَزَةَ في أدام الله عزك .

ولَما كان كثير من أيمة الدين قائلاً بأنها آية من أوائل جميع السور غير براءة أو بعض السور تعين على المفسر أن يفسر معناها وحكمها وموقعها عند من عدوها آية من بعض السور . وينحصر الكلام عليها في ثلاثة مباحث . الأول : في بيان أهي آية من أوائل السور أم لا ؟ .

الثاني : في حكم الابتداء بها عند القراءة . الثالث في تفسير معناها المختص بها .

فأما المبحث الأول فهو أن لا خلاف بين المسلمين في أن لفظ { بسم الله الرحمن الرحيم } هو لفظ قرآني لأنه جزء آية من قوله تعالى : { إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم } [ النمل : 30 ] كما أنهم لم يختلفوا في أن الافتتاح بالتسمية في الأمور المهمة ذوات البال ورد في الإسلام ، وروي فيه حديث : " كل أمر ذي بال لا يُبدأ فيه بسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع " لم يروه أصحاب « السنن » ولا « المستدركات » ، وقد وصف بأنه حسن ، وقال الجمهور إن البسملة رسمها الذين كتبوا المصاحف في أوائل السور ما عدا سورة براءة ، كما يؤخذ من محادثة ابن عباس مع عثمان ، وقد مضت في المقدمة الثامنة ، ولم يختلفوا في أنها كتبت في المصحف في أول سورة الفاتحة وذلك ليس موضع فصل السورة عما قبلها ، وإنما اختلفوا في أن البسملة هل هي آية من سورة الفاتحة ومن أوائل السور غير براءة ، بمعنى أن الاختلاف بينهم ليس في كونها قرآناً ، ولكنه في تكرر قرآنيتها كما أشار إليه ابن رشد الحفيد في « البداية » ، فذهب مالك والأوزاعي وفقهاء المدينة والشام والبصرة وقيل باستثناء عبد الله بن عمرو ابن شهاب من فقهاء المدينة إلى أنها ليست بآية من أوائل السور لكنها جزء آية من سورة النمل ، وذهب الشافعي في أحد قوليه وأحمد وإسحاق وأبو ثور وفقهاء مكة والكوفة غير أبي حنيفة ، إلى أنها آية في أول سورة الفاتحة خاصة ، وذهب عبد الله بن المبارك والشافعي في أحد قوليه وهو الأصح عنه إلى أنها آية من كل سورة . ولم ينقل عن أبي حنيفة من فقهاء الكوفة فيها شيء ، وأخذ منه صاحب « الكشاف » أنها ليست من السور عنده فعَدَّه في الذين قالوا بعدم جزئيتها من السور وهو الصحيح عنه . قال عبد الحكيم لأنه قال بعدم الجهر بها مع الفاتحة في الصلاة الجهرية وكره قراءتها في أوائل السور الموصولة بالفاتحة في الركعتين الأوليين . وأَزِيدُ فأقول إنه لم ير الاقتصار عليها في الصلاة مجزئاً عن القراءة .

أما حجة مذهب مالك ومن وافقه فلهم فيها مسالك : أحدها من طريق النظر ، والثاني من طريق الأثر ، والثالث من طريق الذوق العربي .

فأما المسلك الأول : فللمالكية فيه مقالة فائقة للقاضي أبي بكر الباقلاني وتابَعَه أبو بكر ابن العربي في « أحكام القرآن » والقاضي عبد الوهاب في كتاب « الإشراف » ، قال الباقلاني : « لو كانت التسمية من القرآن لكان طريق إثباتها إما التواتر أو الآحاد ، والأول : باطل لأنه لو ثبت بالتواتر كونها من القرآن لحصل العلم الضروري بذلك ولامتنع وقوع الخلاف فيه بين الأُمَّة ، والثاني : أيضاً باطل لأن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن فلو جعلناه طريقاً إلى إثبات القرآن لخرج القرآن عن كونه حجة يقينية ، ولصار ذلك ظنياً ، ولو جاز ذلك لجاز ادعاء الروافض أن القرآن دخله الزيادة والنقصان والتغيير والتحريف » ا هـ وهو كلام وجيه والأقيسة الاستثنائية التي طواها في كلامه واضحة لمن له ممارسة للمنطق وشرطياتها لا تحتاج للاستدلال لأنها بديهية من الشريعة فلا حاجة إلى بسطها .

زاد أبو بكر بن العربي في « أحكام القرآن » فقال : يكفيك أنها ليست من القرآن الاختلافُ فيها ، والقرآن لا يُختلف فه ا هـ . وزاد عبد الوهاب فقال : « إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين القرآن بياناً واحداً متساوياً ولم تكن عادته في بيانه مختلفة بالظهور والخفاء حتى يختص به الواحد والاثنان ؛ ولذلك قطعنا بمنع أن يكون شيء من القرآن لم ينقل إلينا وأبطلنا قول الرافضة إن القرآن حِمْل جَمَل عند الإمام المعصوم المنتظر فلو كانت البسملة من الحمد لبيّنها رسول الله بياناً شافياً » ا هـ .

وقال ابن العربي في « العارضة » : إن القاضي أبا بكر بن الطيب ، لم يتكلم من الفقه إلا في هذه المسألة خاصة لأنها متعلقة بالأصول .

وقد عارض هذا الدليل أبو حامد الغزالي في « المستصفى » فقال : « نُفي كون البسملة من القرآن أيضاً إن ثبت بالتواتر لزم أن لا يبقى الخلاف ( أي وهو ظاهر البطلان ) وإن ثبت بالآحاد يصير القرآن ظنياً ، قال : ولا يقال : إن كون شيء ليس من القرآن عدم والعدم لا يحتاج إلى الإثبات لأنه الأصل بخلاف القول بأنها من القرآن ، لأنّا نجيب بأن هذا وإن كان عدماً إلا أن كون التسمية مكتوبة بخط القرآن يوهن كونها ليست من القرآن فهاهنا لا يمكننا الحكم بأنها ليست من القرآن إلا بالدليل ويأتي الكلام في أن الدليل ما هو ، فثبت أن الكلام الذي أورده القاضي لازم عليه ا هـ ، وتبعه على ذلك الفخر الرازي في « تفسيره » ولا يخفى أنه آل في استدلاله إلى المصادرة إذ قد صار مرجع استدلال الغزالي وفخر الدين إلى رسم البسملة في المصاحف ، وسنتكلم عن تحقيق ذلك عند الكلام على مدرك الشافعي . وتعقب ابن رشد في « بداية المجتهد » كلام الباقلاني والغزالي بكلام غير محرر فلا نطيل به .

وأما المسلك الثاني : وهو الاستدلال من الأثر فلا نجد في صحيح السنة ما يشهد بأن البسملة آية من أوائل سور القرآن والأدلة ستة :

الدليل الأول : ما روى مالك في « الموطأ » عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله تعالى قسمت الصلاة نصفين بيني وبين عبدي فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل ، يقول العبد : { الحمد لله رب العالمين } ، فأقول : حمدني عبدي " الخ ، والمراد في الصلاة القراءة في الصلاة ووجه الدليل منه أنه لم يذكر بسم الله الرحمن الرحيم .

الثاني : حديث أُبيّ بن كعب في « الموطأ » و« الصحيحين » أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : " ألا أعلمك سورة لم يُنْزَل في التوراة ولا في الإنجيل مثُلها قبل أن تخرج من المسجد " ؟ قال : بلى ، فلما قارب الخروج قال له : كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة ؟ قال أبيٌّ فقرأت { الحمد لله رب العالمين } حتى أتيت على آخرها ، فهذا دليل على أنه لم يقرأ منها البسملة .

الثالث : ما في « صحيح مسلم » و« سنن أبي داود » و« سنن النسائي » عن أنس بن مالك من طرق كثيرة أنه قال : صليت خلف رسول الله وأبي بكر وعمر فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ، لا في أول قراءة ولا في آخرها .

الرابع : حديث عائشة في « صحيح مسلم » و« سنن أبي داود » قالت : كان رسول الله يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءةَ بالحمد الله رب العالمين .

الخامس : ما في « سنن الترمذي والنسائي » عن عبد الله بن مغفل قال : صليت مع النبيء وأبي بكر وعمر وعثمان ، فلم أسمع أحداً منهم يقول : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ، إذا أنت صليت فقل { الحمد لله رب العالمين } .

السادس وهو الحاسم : عمل أهل المدينة ، فإن المسجد النبوي من وقت نزول الوحي إلى زمن مالك صلى فيه رسول الله والخلفاء الراشدون والأمراء وصلى وراءهم الصحابة وأهل العلم ولم يسمع أحد قرأ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) في الصلاة الجهرية ، وهل يقول عالم أن بعض السورة جهر وبعضها سر ، فقد حصل التواتر بأن النبيء والخلفاء لم يجهروا بها في الجهرية ، فدل على أنها ليست من السورة ولو جهروا بها لما اختلف الناس فيها .

وهناك دليل آخر لم يذكروه هنا وهو حديث عائشة في بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معتبر مرفوعاً إلى النبي ، وذلك قوله : « ففَجِئَه الملَك فقال : اقرأ قال رسول الله فقلت ما أنا بقارىء إلى أن قال فغطني الثالثة ثم قال : { اقرأ باسم ربك الذي خلق } [ العلق : 1 ] الحديث . فلم يقل فقال لي بسم الله الرحمن الرحيم { اقرأ بسم ربك } ، وقد ذكروا هذا في تفسير سورة العلق وفي شرح حديث بدء الوحي .

وأما المسلك الثالث وهو الاستدلال من طريق الاستعمال العربي فيأتي القول فيه على مراعاة قول القائلين بأن البسملة آية من سورة الفاتحة خاصة ، وذلك يوجب أن يتكرر لفظان وهما { الرحمن الرحيم } في كلام غير طويل ليس بينهما فصل كثير وذلك مما لا يحمد في باب البلاغة ، وهذا الاستدلال نقله الإمام الرازي في « تفسيره » وأجاب عنه بقوله : إن التكرار لأجل التأكيد كثير في القرآن وإن تأكيد كونه تعالى رحماناً رحيماً من أعظم المهمات .

وأَنَا أَدْفع جوابه بأن التكرار وإن كانت له مواقع محمودة في الكلام البليغ مثل التهويل ، ومقام الرثاء أو التعديد أو التوكيد اللفظي ، إلا أن الفاتحة لا مناسبة لها بأغراض التكرير ولا سيما التوكيد لأنه لا منكر لكونه تعالى رحماناً رحيماً ، ولأن شأن التوكيد اللفظي أن يقترن فيه اللفظان بلا فصل فتعين أنه تكرير اللفظ في الكلام لوجود مقتضى التعبير عن مدلوله بطريق الاسم الظاهر دون الضمير ، وذلك مشروط بأن يبعد ما بين المكرَّرَيْن بُعداً يقصيه عن السمع ، وقد علمتَ أنهم عدوا في فصاحة الكلام خلوصه من كثرة التكرار ، والقربُ بين الرحمن والرحيم حين كررا يمنع ذلك .

وأجاب البيضاوي بأن نكتة التكرير هنا هي تعليل استحقاق الحمد ، فقال السلكوتي أشار بهذا إلى الرد على ما قاله بعض الحنفية : إن البسملة لو كانت من الفاتحة للزم التكرار وهو جواب لا يستقيم لأنه إذا كان التعليل قاضياً بذكر صفتي { الرحمن الرحيم } فدفع التكرير يقتضي تجريد البسملة التي في أول الفاتحة من هاتين الصفتين بأن تصير الفاتحة هكذا : ( بسم الله الحمد لله الخ ) .

وأنا أرى في الاستدلال بمسلك الذوق العربي أن يكون على مراعاة قول القائلين بكون البسملة آية من كل سورة فينشأ من هذا القولِ أَنْ تكون فواتح سور القرآن كلُّها متماثلة وذلك مما لا يحمد في كلام البلغاء إذ الشأن أن يقع التفنن في الفواتح ، بل قد عد علماء البلاغة أَهَمَّ مواضع التأنق فاتحةَ الكلام وخاتمتَه ، وذكروا أن فواتح السور وخواتمها واردة على أحسن وجوه البيان وأكملها فكيف يسوغ أن يُدَّعَى أَن فواتح سوره جملةٌ واحدة ، مع أن عامة البلغاء من الخطباء والشعراء والكتاب يتنافسون في تفنن فواتح منشآتهم ويعيبون من يلتزم في كلامه طريقة واحدة فما ظنك بأبلغ كلام .

وأما حجة مذهب الشافعي ومن وافقه بأنها آية من سورة الفاتحة خاصة فأمور كثيرة أنهاها فخر الدين إلى سبع عشرة حجة لا يكاد يستقيم منها بعد طرح المتداخل والخارج عن محل النزاع وضعيف السند أو واهيه إلا أمران : أحدهما أحاديث كثيرة منها ما روى أبو هريرة أن النبيء عليه الصلاة والسلام قال : " فاتحة الكتاب سبع آيات أولاهن { بسم الله الرحمن الرحيم } " وقول أم سلمة قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاتحة وعدَّ : { بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين } آية . الثاني : الإجماع على أن ما بين الدفتين كلام الله .

والجواب : أما عن حديث أبي هريرة فهو لم يخرجه أحد من رجال الصحيح إنما خرجه الطبراني وابن مردويه والبيهقي فهو نازل عن درجة الصحيح فلا يعارض الأحاديث الصحيحة ، وأما حديث أم سلمة فلم يخرجه من رجال الصحيح غير أبي داود وأخرجه أحمد بن حنبل والبيهقي ، وصحح بعض طرقه وقد طعن فيه الطحاوي بأنه رواه ابن أبي مليكة ، ولم يثبت سماع ابن أبي مليكة من أم سلمة ، يعني أنه مقطوع ، على أنه روى عنها ما يخالفه ، على أن شيخ الإسلام زكرياء قد صرح في « حاشيته على تفسير البيضاوي » بأنه لم يرو باللفظ المذكور وإنما روي بألفاظ تدل على أن { بسم الله } آية وحدها ، فلا يؤخذ منه كونها من الفاتحة ، على أن هذا يفضي إلى إثبات القرآنية بغير المتواتر وهو ما يأباه المسلمون .

وأما عن الإجماع على أن ما بين الدفتين كلام الله ، فالجواب أنه لا يقتضي إلا أن البسملة قرآن وهذا لا نزاع فيه ، وأما كون المواضع التي رسمت فيها في المصحف مما تجب قراءتها فيها ، فذلك أمر يتبع رواية القراء وأخبار السنة الصحيحة فيعود إلى الأدلة السابقة .

وهذا كله بناء على تسليم أن الصحابة لم يكتبوا أسماء السور وكونها مكية أو مدنية في المصحف وأن ذلك من صنع المتأخرين وهو صريح كلام عبد الحكيم في « حاشية البيضاوي » ، وأما إذا ثبت أن بعض السلف كتبوا ذلك كما هو ظاهر كلام المفسرين والأصوليين والقراء كما في « لطائف الإشارات » للقسطلاني وهو مقتضى كتابة المتأخرين لذلك لأنهم ما كانوا يجرأون على الزيادة على ما فعله السلف فالاحتجاج حينئذٍ بالكتابة باطل من أصله ودعوى كون أسماء السور كتبت بلون مخالف لحِبْر القرآن ، يرده أن المشاهد في مصاحف السلف أن حبرها بلون واحد ولم يكن التلوين فاشياً .

وقد احتج بعضهم بما رواه البخاري عن أنس أنه سئل كيف كانت قراءة النبيء ؟ فقال كانت مدًّا ثم قرأ { بسم الله الرحمن الرحيم } يمد { بسم الله } ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم ، ا هـ ، ولا حجة في هذا لأن ضمير قرأ وضمير يمد عائدان إلى أنس ، وإنما جاء بالبسملة على وجه التمثيل لكيفية القراءة لشهرة البسملة .

وحجةُ عبد الله بن المبارك وثاني قولي الشافعي ما رواه مسلم عن أنس قال : « بينا رسول الله بين أظهرنا ذات يوم إذْ أغفَى إِغفَاءَةً ثم رفع رأسه متبسماً فقلنا ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : أنزلت عليَّ سورة آنفاً فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم { إنا أعطيناك الكوثر } [ الكوثر : 1 ] السورة ، قالوا وللإجماع على أن ما بين الدفتين كلام الله ولإثبات الصحابة إياها في المصاحف مع حرصهم على أن لا يدخلوا في القرآن ما ليس منه ولذلك لم يكتبوا آمين في الفاتحة .

والجواب عن الحديث أنا نمنع أن يكون قرأ البسملة على أنها من السورة بل افتتح بها عند إرادة القراءة لأنها تغني عن الاستعاذة إذا نوى المبسمل تقديرَ أستعيذ باسم الله وحذَفَ متعلق الفعل ، ويتعين حمله على نحو هذا لأن راويه أنساً بن مالك جزم في حديثه الآخر أنه لم يسمع رسول الله بسمل في الصلاة .

فإن أبوا تأويله بما تأولناه لزم اضطراب أنس في روايته اضطراباً يوجب سقوطها .

والحق البين في أمر البسملة في أوائل السور ، أنها كتبت للفصل بين السور ليكون الفصل مناسباً لابتداء المصحف ، ولئلا يكون بلفظ من غير القرآن ، وقد روى أبو داود في « سننه » والترمذي وصححه عن ابن عباس أنه قال : قلت لعثمان بن عفان : « ما حملكم أن عمدتم إلى براءة وهي من المئين وإلى الأنفال وهي من المثاني فجعلتموهما في السبع الطوال ولم تكتبوا بينهما سطراً بسم الله الرحمن الرحيم » ، قال عثمان كان النبيء لما تنزل عليه الآياتُ فيدعو بعض من كان يكتب له ويقول له ضع هذه الآية بالسورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، أو تنزل عليه الآية والآيتان فيقول مثل ذلك ، وكانت الأنفال من أول ما أنزل عليه بالمدينة ، وكانت براءة من آخر ما أنزل من القرآن وكانت قصتها شبيهة بقصتها فقُبِض رسول الله ولم يبين لنا أنها منها ، فظننتُ أنها منها ، فمن هناك وضعتُها في السبع الطوال ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم » .

وأرى في هذا دلالة بينة على أن البسملة لم تكتب بين السور غيرِ الأنفال وبراءةَ إلا حينَ جُمع القرآن في مصحف واحد زمن عثمان ، وأنها لم تكن مكتوبة في أوائل السور في الصحف التي جمعها زيد بن ثابت في خلافة أبي بكر إذ كانت لكل سورة صحيفة مفردة كما تقدم في المقدمة الثامنة من مقدمات هذا التفسير .

وعلى أن البسملة مختلف في كونها آية من أول كل سورة غيرِ براءة ، أو آية من أول سورة الفاتحة فقط ، أو ليست بآية من أول شيء من السور ؛ فإن القراء اتفقوا على قراءة البسملة عند الشروع في قراءة سورة من أولها غير براءة . ورووا ذلك عمن تلقَّوْا ، فأما الذين منهم يروون اجتهاداً أو تقليداً أن البسملة آية من أول كل سورة غيرِ براءة ، فأمرهم ظاهر ، وقراءة البسملة في أوائل السور واجبة عندهم لا محالة في الصلاة وغيرها ، وأما الذين لا يروون البسملة آية من أوائل السور كلها أو ما عدا الفاتحة فإن قراءتهم البسملة في أول السورة عند الشروع في قراءة سورة غير مسبوقة بقراءة سورة قبلها تُعلَّل بالتيمن باقتفاء أثر كُتَّاب المصحف ، أي قصد التشبُه في مجرد ابتداء فعل تشبيهاً لابتداء القراءة بابتداء الكتابة . فتكون قراءتهم البسملة أمراً مستحباً للتأسي في القراءة بما فعله الصحابة الكاتبون للمصحف ، فقراءة البسملة عند هؤلاء نظير النطْق بالاستعاذة ونظير التهليل والتكبير بين بعض السور مِن آخر المفصَّل ، ولا يبسملون في قراءة الصلاة الفريضة ، وهؤلاء إذا قرأوا في صلاة الفريضة تجري قراءتهم على ما انتهى إليه فهمهم من أمر البسملة من اجتهاد أو تقليد . وبهذا تعلم أنه لا ينبغي أن يؤخذ من قراءتهم قولٌ لهم بأن البسملة آية من أول كل سورة كما فعل صاحب « الكشاف » والبيضاوي .

واختلفوا في قراءة البسملة في غير الشروع في قراءة سورةٍ من أولها ، أي في قراءة البسملة بين السورتين .

فورش عن نافع في أشهر الروايات عنه وابنُ عامر ، وأبو عمرو ، وحمزة ، ويعقوبُ ، وخلف ، لا يبسملون بين السورتين وذلك يعلل بأن التشبُّه بفعل كتَّاب المصحف خاص بالابتداء ، وبحملهم رسمَ البسملة في المصحف على أنه علامة على ابتداء السورة لا على الفصل ، إذ لو كانت البسملة علامة على الفصل بين السورة والتي تليها لما كتبت في أول سورة الفاتحة ، فكان صنيعُهم وجيهاً لأنهم جمعوا بين ما روَوه عن سلفهم وبين دليلِ قصد التيمن ، ودليل رأيهم أن البسملة ليست آية من أول كل سورة .

وقالون عن نافع وابنُ كثير وعاصمٌ والكسائي وأبو جعفر يبسملون بين السورتين سوى ما بين الأنفال وبراءة ، وعدوه من سنة القراءة ، وليس حظهم في ذلك إلا اتباع سلفهم ، إذ ليس جميعهم من أهل الاجتهاد ، ولعلهم طردوا قصد التيمن بمشابهة كُتَّاب المصحف في الإشعار بابتداء السورة والإشعار بانتهاء التي قبلها .

واتفق المسلمون على ترك البسملة في أول سورة براءة وقد تبين وجه ذلك آنفاً ، ووجَّهه الأئمة بوجوه أخر تأتي في أول سورة براءة ، وذكر الجاحظ في « البيان والتبيين »{[47]} أن مُؤرِّجاً السَّدُوسي البصري سمع رجلاً يقول : « أميرُ المؤمنين يَرُدُّ على المظلوم » فرجع مؤرج إلى مُصحفه فردَّ على براءة بسم الله الرحمن الرحيم ، ويحمل هذا الذي صنعه مُؤَرج إن صح عنه إنما هو على التمليح والهزل وليس على الجد .

وفي هذا ما يدل على أن اختلاف مذاهب القراء في قراءة البسملة في مواضع من القرآن ابتداء ووصلاً كما تقدم لا أثر له في الاختلاف في حكم قراءتها في الصلاة ، فإن قراءتها في الصلاة تجري على أحكام النظر في الأدلة ، وليست مذاهب القراء بمعدودة من أدلة الفقه ، وإنما قراءاتهم روايات وسنة متبعة في قراءة القرآن دون استناد إلى اعتبار أحكام رواية القرآن من تواتر ودونه ، ولا إلى وجوب واستحباب وتخيير ، فالقارىء يقرأ كما روى عن معلميه ولا ينظر في حكم ما يقرأه من لزوم كونه كما قرأ أو عدم اللزوم ، فالقراء تجري أعمالهم في صلاتهم على نزعاتهم في الفقه من اجتهاد وتقليد ، ويوضح غلط من ظن أن خلاف الفقهاء في إثبات البسملة وعدمه مبني على خلاف القراء ، كما يوضح تسامح صاحب « الكشاف » في عده مذاهب القراء في نسق مذاهب الفقهاء . وإنما اختلف المجتهدون لأجل الأدلة التي تقدم بيانها ، وأما الموافقة بينهم وبين قراء أمصارهم غالباً في هاته المسألة فسببه شيوع القول بين أهل ذلك العصر بما قال به فقهاؤه في المسائل ، أو شيوع الأدلة التي تلقاها المجتهدون من مشائخهم بين أهل ذلك العصر ولو من قبل ظهور المجتهد مثل سَبْق نافِعِ بن أبي نعيم إلى عدم ذكر البسملة قبل أن يقول مالك بعدم جزئيتها ؛ لأن مالكاً تلقى أدلة نفيِ الجزئية عن علماء المدينة وعنهم أو عن شيوخهم تلقى نافع بن أبي نعيم ، وإذ قد كنا قد تقلدنا مذهب مالك واطمأننا لمداركه في انتفاء كون البسملة آية من أول سورة البقرة كان حقاً علينا أن لا نتعرض لتفسيرها هنا وأن نرجئه إلى الكلام على قوله تعالى في سورة النمل :

{ إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم } غير أننا لما وجدنا من سلفنا من المفسرين كلهم لم يهملوا الكلام على البسملة في هذا الموضع اقتفينا أثرهم إذ صار ذلك مصطلح المفسرين .

واعلم أن متعلق المجرور في { بسم الله } محذوف تقديره هنا أقرأ ، وسبب حذف متعلق المجرور أن البسملة سنت عند ابتداء الأعمال الصالحة فَحُذف متعلق المجرور فيها حذفاً ملتزماً إيجازاً اعتماداً على القرينة ، وقد حكى القرآن قول سحرة فرعون عند شروعهم في السحر بقوله : { فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون } [ الشعراء : 44 ] وذكر صاحب « الكشاف » أن أهل الجاهلية كانوا يقولون في ابتداء أعمالهم : « باسم اللاتِ باسم العُزَّى » فالمجرور ظرف لغو معمول للفعل المحذوف ومتعلق به وليس ظرفاً مستقراً مثل الظروف التي تقع أخباراً ، وَدليل المتعلق ينبىء عنه العمل الذي شُرع فيه فتعين أن يكون فعلاً خاصاً من النوع الدال على معنى العمل المشروع فيه دون المتعلِّق العام مثل أبتَدِىء لأن القرينة الدالة على المتعلق هي الفعل المشروع فيه المبدوء بالبسملة فتعين أن يكون المقدر اللفظ الدال على ذلك الفعل ، ولا يجري{[48]} في هذا الخلاف الواقع بين النحاة في كون متعلق الظروف هل يقدر اسماً نحو كائن أو مُستقر أم فعلاً نحو كان أو استقر لأن ذلك الخلاف في الظروف الواقعة أخباراً أو أحوالاً بناء على تعارض مقتضى تقدير الاسم وهو كونه الأصل في الأخبار والحالية ، ومقتضى تقدير الفعل وهو كونه الأصل في العمل لأن ما هنا ظرف لغو ، والأصل فيه أن يعدى الأفعال ويتعلق بها ، ولأن مقصد المبتدىء بالبسملة أن يكون جميع عمله ذلك مقارناً لبركة اسم الله تعالى فلذلك ناسب أن يقدر متعلق الجار لفظاً دالاً على الفعل المشروع فيه . وهو أنسب لتعميم التيمن لإجزاء الفعل ، فالابتداء من هذه الجهة أقل عموماً ، فتقدير الفعل العام يخصص وتقدير الفعل الخاص يعمم وهذا يشبه أن يلغز به . وهذا التقدير من المقدرات التي دلت عليها القرائن كقول الداعي للمُعَرِّس « بالرفاء والبنين »{[49]} وقول المسافر عند حلوله وترحاله « باسم الله والبركات » وقول نساء العرب عندما يَزفُفْنَ العروس « ياليُمْنِ والبركة وعلَى الطائر الميمون » ولذلك كان تقدير الفعل هاهنا واضحاً .

وقد أسعف هذا الحذف بفائدة وهي صلوحية البسملة ليَبتَدِىءَ بها كلُّ شارع في فعل فلا يلجأ إلى مخالفة لفظ القرآن عند اقتباسه ، والحذف من قبيل الإيجاز لأنه حذف ما قد يصرح به في الكلام ، بخلاف متعلقات الظروف المستقرة نحو عندك خير ، فإنهم لا يظهرون المتعلق فلا يقولون خير كائن عندك ولذلك عدوا نحو قوله :

* فإنك كالليل الذي هو مُدركي *

من المساواة دون الإيجاز يعني مع ما فيه من حذف المتعلق . وإذ قد كان المتعلق محذوفاً تعين أن يقدر في موضعه متقدِّماً على المتعلِّق به كما هو أصل الكلام ؛ إذ لا قصد هنا لإفادة البسملة الحَصر ، ودعوى صاحب « الكشاف » تقديره مُؤخراً تعمق غير مقبول ، لا سيما عند حالة الحذف ، فالأنسب أن يقدر على حسب الأصل .

والباء باء الملابسة والملابسة ، هي المصاحبة ، وهي الإلصاق أيضاً فهذه مترادفات في الدلالة على هذا المعنى وهي كما في قوله تعالى : { تنبت بالدهن } [ المؤمنون : 20 ] وقولهم : « بالرفاء والبنين » وهذا المعنى هو أكثر معاني الباء وأشهرها ، قال سيبويه : الإلصاق لا يفارق الباء وإليه ترجع تصاريف معانيها ولذلك قال صاحب « الكشاف » : « وهذا الوجه ( أي الملابسة ) أعْرَبُ وأحسن » أي أحسن من جعل الباء للآلة أي أدخل في العربية وأحسن لما فيه من زيادة التبرك بملابسة جميع أجزاء الفعل لاسمه تعالى .

والاسم لفظ جُعِل دالاً على ذات حسية أو معنوية بشخصها أو نوعها ، وجعله أئمة البصرة مشتقاً من السمو وهو الرفعة لأنها تتحقق في إطلاقات الاسم ولو بتأويل فإن أصل الاسم في كلام العرب هو العلم ولا توضع الأعلام إلا لشيء مهتم به ، وهذا اعتداد بالأصل والغالب ، وإلا فقد توضع الأعلام لغير ما يهتم به كما قالوا فَجَارِ علم للفَجْرة . فأصل صيغته عند البصريين من الناقص الواوي فهو إما سِمْو بوزن حِمْل ، أو سُمْو بوزن قفل فحذفت اللام حذفاً لمجرد التخفيف أو لكثرة الاستعمال ولذلك جرى الإعراب على الحرف الباقي ، لأنه لو حذفت لامه لعلة صرفية لكان الإعراب مقدراً على الحرف المحذوف كما في نحو قاضٍ وجَوارٍ ، فلما جرى الإعراب على الحرف الباقي الذي كان ساكناً نقلوا سكونه للمتحرك وهو أول الكلمة وجلبوا همزة الوصل للنطق بالساكن ؛ إذ العرب لا تستحسن الابتداء بحرف ساكن لابتناء لغتهم على التخفيف ، وقد قضوا باجتلاب الهمزة وطراً ثانياً من التخفيف وهوعود الكلمة إلى الثلاثي لأن الأسماء التي تبقى بالحذف على حرفين كيدٍ ودمٍ لا تخلو من ثِقل ، وفي هذا دليل على أن الهمزة لم تجتلب لتعويض الحرف المحذوف وإلا لاجتلبوها في يدٍ ودمٍ وغدٍ .

وقد احتجوا على أن أصله كذلك بجمعه على أسماء بوزن أفعال ، فظهرت في آخره همزة وهي منقلبة عن الواو المتطرفة إثر ألف الجمع ، وبأنه جمع على أساميّ وهو جمع الجمع بوزن أفاعيل بإدغام ياء الجمع في لام الكلمة ويجوز تخفيفها كما في أثافِي وأَماني ، وبأنه صُغِّر على سُمَي .

وأن الفعل منه سمَّيْت ، وهي حجج بينة على أن أصله من الناقص الواوي . وبأنه يقال سُمىً كهدى ؛ لأنهم صاغوه على فُعَل كرُطَب فتنقلب الواو المتحركة ألفاً إثر الفتحة وأنشدوا على ذلك قول أبي خالد القَنَاني الراجز{[50]} :

واللَّهُ أَسْمَاكَ سُمًى مُبارَكاً *** آثَرَكَ اللَّهُ بِهِ إِيثَارَكا

وقال ابن يعيش : لا حجة فيه لاحتمال كونه لغة من قال سُم والنصب فيه نصب إعراب لا نصب الإعلال ، ورده عبد الحكيم بأن كتابته بالإمالة تدل على خلاف ذلك . وعندي فيه أن الكتابة لا تتعلق بها الرواية فلعل الذين كتبوه بالياء هم الذين ظنوه مقصوراً ، على أن قياسها الكتابة بالألف مطلقاً لأنه واوي إلا إذا أريد عدم التباس الألف بألف النصب . ورَأْيُ البصريين أرجح من ناحية تصاريف هذا اللفظ . وذهب الكوفيون إلى أن أصله وِسْم بكسر الواو لأنه من السمة وهي العَلامة ، فحذفت الواو وعوضت عنها همزة الوصل ليبقى على ثلاثة أحرف ثم يتوسل بذلك إلى تخفيفه في الوصل ، وكأنهم رأوا أن لا وجه لاشتقاقه من السمو لأنه قد يستعمل لأشياء غير سامية وقد علمتَ وجه الجواب ، ورأي الكوفيين أرجح من جانب الاشتقاق دون التصريف ، على أن همزة الوصل لم يعهد دخولها على ما حذف صدره وردوا استدلال البصريين بتصاريفه بأنها يحتمل أن تكون تلك التصاريف من القلب المكاني بأن يكون أصل اسم وسم ، ثم نقلت الواو التي هي فاء الكلمة فجعلت لاماً ليتوسل بذلك إلى حذفها ورد في تصرفاته في الموضع الذي حذف منه لأنه تنوسي أصله ، وأجيب عن ذلك بأن هذا بعيد لأنه خلاف الأصل وبأن القلب لا يلزم الكلمة في سائر تصاريفها وإلا لما عرف أصل تلك الكلمة . وقد اتفق علماء اللغة على أن التصاريف هي التي يعرف بها الزائد من الأصلي والمنقلب من غيره .

وزعم ابن حزم في كتاب « الملل والنحل » أن كلا قولي البصريين والكوفيين فاسد افتعله النحاة ولم يصح عن العرب وأن لفظ الاسم غير مشتق بل هو جامد وتطاول ببذاءته عليهم وهي جرأة عجيبة ، وقد قال تعالى : { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } [ النحل : 43 ] .

وإنما أقحم لفظ اسم مضافاً إلى علم الجلالة إذ قيل ( بسم الله ) ولم يقل بالله لأن المقصود أن يكون الفعل المشروع فيه من شؤون أهل التوحيد الموسومة باسم الإله الواحد فلذلك تقحم كلمة اسم في كل ما كان على هذا المقصد كالتسمية على النسك قال تعالى : { فكلوا مما ذكر اسم الله عليه } [ الأنعام : 118 ] وقال : { وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه } [ الأنعام : 119 ] وكالأفعال التي يقصد بها التيمن والتبرك وحصول المعونة مثل : { اقرأ باسم ربك } [ العلق : 1 ] فاسم الله هو الذي تمكن مقارنته للأفعال لا ذاته ، ففي مثل هذا لا يحسن أن يقال بالله لأنه حينئذٍ يكون المعنى أنه يستمد من الله تيسيراً وتصرفاً من تصرفات قدرته وليس ذلك هو المقصود بالشروع ، فقوله تعالى : { فسبح باسم ربك العظيم } [ الواقعة : 74 ] أَمْرٌ بأن يقول سبحان الله ، وقوله : { وسبحه } [ الإنسان : 26 ] أمْرٌ بتنزيه ذاته وصفاته عن النقائص ، فاستعمال لفظ الاسم في هذا بمنزلة استعمال سمات الإبل عند القبائل ، وبمنزلة استعمال القبائل شعار تعارفهم{[51]} ، واستعمال الجيوش شعارهم المصطلح عليه . والخلاصة{[52]} أن كل مقام يقصد فيه التيمن والانتساب إلى الرب الواحد الواجب الوجود يعدى فيه الفعل إلى لفظ اسم الله كقوله : { وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها } [ هود : 41 ] وفي الحديث في دعاء الاضطجاع : " باسمك ربي وضعت جنبي وباسمك أرفعه " وكذلك المقام الذي يقصد فيه ذكر اسم الله تعالى كقوله تعالى : { فسبح باسم ربك العظيم } أي قل سبحان الله : { سبح اسم ربك الأعلى } [ الأعلى : 1 ] وكل مقام يقصد فيه طلب التيسير والعون من الله تعالى يعدى الفعل المسؤول إلى علم الذات باعتبار ما له من صفات الخلق والتكوين كما في قوله تعالى : { فاسجد له } [ الإنسان : 26 ] وقوله في الحديث : " اللهم بك نصبح وبك نمسي " أي بقدرتك ومشيئتك وكذلك المقام الذي يقصد فيه توجه الفعل إلى الله تعالى كقوله تعالى : { فاسجد له } { وسبحه } أي نزه ذاته وحقيقته عن النقائص . فمعنى ( بسم الله الرحمن الرحيم ) أقرأ قراءة ملابسة لبركة هذا الاسم المبارك .

هذا وقد ورد في استعمال العرب توسعات في إطلاق لفظ الاسم مرة يعنون به ما يرادف المسمى كقول النابغة :

نبئتُ زُرعة والسفاهةُ كاسمها *** يُهدى إليَّ غرائبَ الأَشعار

يعني أن السفاهة هي هي لا تُعرَّف للناس بأكثر من اسمها وهو قريب من استعمال اسم الإشارة في قوله تعالى : { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً } [ البقرة : 143 ] . أي مثل ذلك الجعل الواضح الشهير ويطلقون الاسم مقحماً زائداً كما في قول لبيد :

* إلى الحولِ ثم اسم السلام عليكُما* يعني ثم السلام عليكما وليس هذا خاصاً بلفظ الاسم بل يجىء فيما يرادفه مثل الكلمة في قوله تعالى : { وألزمهم كلمة التقوى } [ الفتح : 26 ] وكذلك « لفظ » في قول بشار هاجياً :

وكذاك ، كان أبوك يؤثر بالهُنَى *** ويظل في لَفْظِ النَّدى يتَرَدَّد

وقد يطلق الاسم وما في معناه كنايةً عن وجود المسمى ، ومنه قوله تعالى : { وجعلوا لله شركاء قل سموهم } [ الرعد : 33 ] والأمر للتعجيز أي أثبتوا وجودهم ووضعَ أسماء لهم . فهذه اطلاقات أخرى ليس ذكر اسم الله في البسملة من قبيلها ، وإنما نبهنا عليها لأن بعض المفسرين خلط بها في تفسير البسملة ، ذكرتها هنا توضيحاً ليكون نظركم فيها فسيحاً فشدوا بها يداً ولا تتبعوا طرائق قدداً .

وقد تكلموا على ملحظ تطويل الباء في رسم البسملة بكلام كله غير مقنع ، والذي يظهر لي أن الصحابة لما كتبوا المصحف طولوها في سورة النمل للإشارة إلى أنها مبدأ كتاب سليمان فهي من المحكي ، فلما جعلوها علامة على فواتح السور نقلوها برسمها ، وتطويل الباء فيها صالح لاتخاذه قدوة في ابتداء الغرض الجديد من الكلام بحرف غليظ أو ملون .

والكلام على اسم الجلالة ووصفه يأتي في تفسير قوله تعالى : { الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم } [ الفاتحة : 2 ، 3 ] .

ومناسبة الجمع في البسملة بين علم الجلالة وبين صفتي الرحمن الرحيم ، قال البيضاوي إن المُسمِّي إذا قصَد الاستعانة بالمعبود الحق الموصوف بأنه مُولي النعم كلها جليلها ودقيقها يذكر عَلَم الذات إشارة إلى استحقاقه أن يستعان به بالذات ، ثم يذكر وصف الرحمن إشارة إلى أن الاستعانة على الأعمال الصالحة وهي نعم ، وذكر الرحيم للوجوه التي سنذكرها في عطف صفة الرحيم على صفة الرحمن .

وقال الأستاذ الإمام محمد عبده : إن النصارى كانوا يبتدئون أدعيتهم ونحوها باسم الأب والابن والروح القدس إشارة إلى الأقانيم الثلاثة عندهم ، فجاءت فاتحة كتابِ الإسلام بالرد عليهم موقظة لهم بأن الإله الواحد وإن تعددت أسماؤه فإنما هو تعدد الأوصاف دون تعدد المسميات ، يعني فهو رد عليهم بتغليظ وتبليد . وإذا صح أن فواتح النصارى وأدعيتهم كانت تشتمل على ذلك إذ الناقل أمين فهي نكتة لطيفة .

وعندي أن البسملة كان ما يرادفها قد جرى على ألسنة الأنبياء من عهد إبراهيم عليه السلام فهي من كلام الحنيفية ، فقد حكى الله عن إبراهيم أنه قال لأبيه : { يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن } [ مريم : 45 ] ، وقال : { سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً } [ مريم : 47 ] ومعنى الحفي قريب من معنى الرحيم . وحُكِي عنه قوله : { وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم } [ البقرة : 128 ] . وورد ذكر مرادفها في كتاب سليمان إلى ملكة سبأ : { إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين } [ النمل : 30 ، 31 ] . والمظنون أن سليمان اقتدى في افتتاح كتابه بالبسملة بسنة موروثة من عهد إبراهيم جعلها إبراهيم كلمة باقية في وارثي نبوته ، وأن الله أحيا هذه السنة في الإسلام في جملة ما أوحى له من الحنيفية كما قال تعالى : { ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل } [ الحج : 78 ] .


[1]:محمد بن علي البصري الشافعي المعتزلي المتوفى سنة 439هـ له كتاب "المعتمد في أصول الفقه".
[2]:اسمه على الأصح الحسين, وقيل: الحسن بن محمد الطيبي-بكسرالطاء وسكون الياء -الشافعي المتوفى سنة 743هـ.
[3]:ما بين الهلالين كلام للمصنف.
[46]:رقم 10520 بالمكتبة الصادقية ( العبدلية) بتونس.
[47]:صفحة 130 جزء 2 طبع الرحمانية – القاهرة.
[48]:هذا رد على ابن عطية وبعض المفسرين إذ فرضوا خلاف النحاة معتبرا هنا.
[49]:انظر حديث بناء النبيء صلى الله عليه وسلم بالسيدة عائشة رضي الله عنها.
[50]:القناني – بفتح القاف والنون مخففا- نسبة إلى قنان بن سلمة بن مذحج قاله شارح القاموس وشارح الشواهد الكبرى، ولم يذكر ابن الأثير ولا غيره القنان هذا في بطون مذحج فعله قد دخل بنوه في قبيلة أخرى ولم يوجد سلمة هذا وإنما الموجود مسلية – بالياء- بوزن مسلمة، وهم بطن من مذحج دخلوا في بني الحارث ابن كعب.
[51]:قال النابغة: مستشعرين قد ألفوا في ديارهم دعاء سوع ودعمي وأيوب
[52]:وفي الخبر : >