الحمد لله الذي وفقنا لأداء أفضل الطاعات ، ووفقنا على كيفية اكتساب أكمل السعادات وهدانا إلى قولنا : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من كل المعاصي والمنكرات { بسم الله الرحمان الرحيم } نشرع في أداء كل الخيرات والمأمورات { الحمد لله } الذي له ما في السماوات { رب العالمين } بحسب كل الذوات والصفات { الرحمان الرحيم } على أصحاب الحاجات وأرباب الضرورات { مالك يوم الدين } في إيصال الأبرار إلى الدرجات وإدخال الفجار في الدركات { إياك نعبد وإياك نستعين } في القيام بأداء جملة التكليفات ، { اهدنا الصراط المستقيم } بحسب كل أنواع الهدايات { صراط الذين أنعمت عليهم } في كل الحالات والمقامات
{ غير المغضوب عليهم ولا الضالين } من أهل الجهالات والضلالات .
والصلاة على محمد المؤيد بأفضل المعجزات والآيات ، وعلى آله وصحبه بحسب تعاقب الآيات وسلم تسليما .
أما بعد : فهذا كتاب مشتمل على شرح بعض ما رزقنا الله تعالى من علوم الفاتحة ، ونسأل الله العظيم أن يوفقنا لإتمامه ، وأن يجعلنا في الدارين أهلا لإكرامه وإنعامه ، إنه خير موفق ومعين ، وبأسعاف الطالبين قمين ، وهذا الكتاب مرتب على مقدمة ، وكتب ، أما المقدمة ففيها فصول :
في التنبيه على علوم هذه السورة على سبيل الإجمال .
أعلم أنه مر على لساني في بعض الأوقات أن هذه السورة الكريمة يمكن أن يستنبط من فوائدها ونفائسها عشرة آلاف مسألة ، فاستبعد هذا بعض الحساد ، وقوم من أهل الجهل والغي والعناد ، وحملوا ذلك على ما ألفوه من أنفسهم من التعلقات الفارغة عن المعاني ، والكلمات الخالية عن تحقيق المعاقد والمباني ، فلما شرعت في تصنيف هذا الكتاب ، قدمت هذه المقدمة لتصير كالتنبيه على أن ما ذكرناه أمر ممكن الحصول ، قريب الوصول ، فنقول وبالله التوفيق : إن قولنا { أعوذ بالله من الشيطان الرجيم } لا شك أن المراد منه الاستعاذة بالله من جميع المنهيات والمحظورات ، ولا شك أن المنهيات إما أن تكون من باب الاعتقادات ، أو من باب أعمال الجوارح ؛ أما الاعتقاد فقد جاء في الخبر المشهور قوله صلى الله عليه وسلم «ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة : كلهم في النار إلا فرقة واحدة » وهذا يدل على أن الاثنتين والسبعين موصوفون بالعقائد الفاسدة ، والمذاهب الباطلة ؛ ثم إن ضلال كل واحدة من أولئك الفرق غير مختص بمسألة واحدة ، بل هو حاصل في مسائل كثيرة من المباحث المعلقة بذات الله تعالى ، وبصفاته ، وبأحكامه ، وبأفعاله ، وبأسمائه ، وبمسائل الجبر ، والقدر ، والتعديل ، والتجوير ، والثواب ، والمعاد ، والوعد ، والوعيد ، والأسماء ، والأحكام ، والإمامة ، فإذا وزعنا الفرق الضالة -وهو الاثنتان والسبعون- على هذه المسائل الكثيرة بلغ العدد الحاصل مبلغا عظيما ، وكل ذلك أنواع الضلالات الحاصلة في فرق الأمة ، وأيضا فمن المشهور أن فرق الضلالات من الخارجين عن هذه الأمة يقربون من سبعمائة ، فإذا ضمت أنواع ضلالاتهم إلى أنواع الضلالات الموجودة في فرق الأمة في جميع المسائل العقلية المتعلقة بالإلهيات ، والمتعلقة بأحكام الذوات والصفات ؛ بلغ المجموع مبلغا عظيما في العدد ، ولا شك أن قولنا { أعوذ بالله } يتناول الاستعاذة من جميع تلك الأنواع ، والاستعاذة من الشيء لا تمكن إلا بعد معرفة المستعاذ منه ، وإلا بعد معرفة كون ذلك الشيء باطلا وقبيحا ، فظهر بهذا الطريق أن قولنا { أعوذ بالله } مشتمل على الألوف من المسائل الحقيقية اليقينية ، وأما الأعمال الباطلة فهي عبارة عن كل ما ورد النهي عنه : إما في القرآن ، أو في الإخبار المتواترة ، أو في أخبار الآحاد ، أو في إجماع الأمة ، أو في القياسات الصحيحة ، ولا شك أن تلك المنهيات تزيد على الألوف ، وقولنا { أعوذ بالله } متناول لجميعها وجملتها ، فثبت بهذا الطريق أن قولنا { أعوذ بالله } مشتمل على عشرة آلاف مسألة ، أو أزيد ، أو أقل من المسائل المهمة المعتبرة .
وأما قوله جل جلاله : { بسم الله الرحمان الرحيم } ففيه نوعان من البحث : النوع الأول : قد اشتهر عند العلماء أن لله تعالى ألفا وواحدا من الأسماء المقدسة المطهرة ، وهي موجودة في الكتاب والسنة ، ولا شك أن البحث عن كل واحد من تلك الأسماء مسألة شريفة عالية ، وأيضا فالعلم بالاسم لا يحصل إلا إذا كان مسبوقا بالعلم بالمسمى ، وفي البحث عن ثبوت تلك المسميات ، وعن الدلائل الدالة على ثبوتها ، وعن أجوبة الشبهات التي تذكر في نفيها مسائل كثيرة ، ومجموعها يزيد على الألوف ، النوع الثاني : من مباحث هذه الآية : أن الباء في قوله { بسم الله } باء الإلصاق ، وهي متعلقة بفعل ، والتقدير : باسم الله أشرع في أداء الطاعات ، وهذا المعنى لا يصير ملخصا معلوما إلا بعد الوقوف على أقسام الطاعات ، وهي العقائد الحقة والأعمال الصافية مع الدلائل والبينات ، ومع الأجوبة عن الشبهات ، وهذا المجموع ربما زاد على عشرة آلاف مسألة .
ومن اللطائف أن قوله { أعوذ بالله } إشارة إلى نفي ما لا ينبغي من العقائد والأعمال ، وقوله { بسم الله } إشارة إلى ما ينبغي من الاعتقادات والعمليات ، فقوله { بسم الله } لا يصير معلوما إلا بعد الوقوف على جميع العقائد الحقة ، والأعمال الصافية ، وهذا هو الترتيب الذي يشهد بصحته العقل الصحيح ، والحق الصريح .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.